آدم يس مكيوي يكتب: منتصر وناعوت وتجديد الخطاب الديني

في كتاب نقد الخطاب الديني للراحل نصر حامد أبو زيد عبارة مهمة أن الدين يجب أن يكون عنصرا أساسيا في أي مشروع للنهضة في الشرق الأوسط، وهي عبارة ربما يجدها البعض مراوغة أو خبيثة من مفكر علماني، ويزيدنا الرجل من الشعر بيتا ويتحدث عن كيف يتم تأويل النص تأويلا علميا ينفي عنه ما علق به من خرافات، ويستبقي ما فيه من قوة دافعة نحو التقدم. وربما من قراءة الكتاب نجد أن نصر قد اتفق مع \”جولدتسيهر\” في التفريق بين العقيدة وهي ما وقر في القلب من الإيمان، والشريعة وهي المعاملات المرتبطة بتاريخية النص وأسباب نزوله، وهي عبارة لا يجب أن نتجاهلها في الحديث عن أي نهضة في عالمنا البائس.

نصر وضح ميله لطائفة المرجئة، في بدايات الإسلام التي طالبت برد الحكم على الإنسان إلى الله والفصل النسبي بين \”عالم الله\” و\”عالم الإنسان\”، وبين السياسي والديني، فالمرجئة مثلت أولى محاولات \”التدهير\” secularization والتحديث الديني من داخل البنية الدينية نفسها.. كتاب نصر بالطبع كال النقد مفهوم الحاكمية سيء السمعة الذي طرحه المودودي و ذريته و أشياعهم بالملايين، المرضى بمرض الصحوة وإعادة إحياء الخلافة والهراء المسيطر اليوم. نصر مر أيضا بقلمه على مشاريع اليسار الإسلامي في عجالة وعاب على خليل عبد الكريم عدم اكتمال مشروعه الذي طرحه في كتاب \”الأسس الفكرية لليسار الإسلامي\”، ولم ينتبه نصر لكتابه الآخر رأي الإسلام في قضايا العمال، ويتهم نصر، د. حسن حنفي أيضا بتلوين النص ولي عنقه تبعاً لأيدلوجيته اليسارية، فحنفي طبقا لنصر يأول النص في سياق ضيق جدا ولا يصلح للاستخدام مستعينا بعلم الكلام.

نصر لم يلتفت لمشروع عملاق وهو مشروع الدكتور محمود إسماعيل لاستعراض سوسوليوجيا الفكر الإسلامي وتاريخ الفرق التي خرجت من رحم الثورات الإسلامية في كتب مثل تاريخ الحركات السرية في الإسلام وفرق الشيعة و سوسيولوجيا الفكر الإسلامي.

نصر تلميذ هيدجر \”أستاذ التأويل والقراءات المتعددة للنص\” في هذا الكتاب يقدم تحليلا للخطاب الديني المطروح في التسعينيات في مستوياته واتجاهاته المختلفة، الرسمي منها والمعارض، المعتدل والمتطرف، اليميني واليساري، والسلفي والتجديدي، لنتخيل سويا أن هناك من قدم تشريحا للطروح المنطلقة من الدين سواء بالرفض أو بالاستمساك به لوجدنا أن المطروح اليوم هو عبارة عن فكر إلحادي صبياني يتبناه بعض الشباب مثل إسماعيل محمد، وهو يرتكز على معايرة الإسلام بنقائصه و يفترض أن الإسلام سيزول في يوم ما، وهذا الاتجاه الطفولي يؤيد جنرال إسلامي الهوى في معركته ضد الإسلام السياسي، لأنه بمقاييس براجماتيه أكثر إعتدالا، أو هكذا يأملون.

المشهد يغص أيضا بالناتج الفكري الحديث للبرجوازية المصرية أو بعض المحسوبين على الفكر، مثل خالد منتصر وفاطمة ناعوت، وهم يخلقون إسلاما برجوازيا علمانيا إيتيريا غازي القوام غير ممسوك.. إنتقائي في قراءته للتراث، متعجلا يبحث عن ما هو خفيف مثبط كمشروب اليانسون الدافيء لتهدئة روع الطبقة المحافظة التي ترى أن ما تعلمته عن الدين ينهار تحت وطأة الواقع و بروز الفكر الأصولي المسلح، فيغازل منتصر رواد صفحته الملتاعين بصور لمصر قبل الغزو الوهابي ومصر قبل الحجاب وأحيانا يشيد بعظمة السيسي وقوة مصر الناعمة وباليه وديكورات دار الأوبرا، التي تواجه الفكر الوهابي المتغلغل، أمام فاطمة ناعوت التي ترتدي لنا في أحد البرامج زيا فرعونيا لتؤكد على العدد الهوياتي لمصر.
إن قراءة فاطمة وخالد وأشباههم الكسولة للخطاب والفكر الديني، قد تجد زبائن بين ظهراني الطبقات الغنية أو المسيحيين، ولكنها لن تعدل من المائل في شيء ولن تجعل داعشي أو سلفي أو أصولي يعيد التفكير في عقيدته، بل هي تلعب على نفس وتر جماعة الإلحاد في إبراز عجائب التراث وانتقاد البخاري والحنين لنوستالجيا مصر قبل الحجاب.
في المواجهة على الطرف الأغر، يتمترس الفصيل السلفي بألوان طيفه.. الفصيل الذي يعبد النص عبادة مطلقة ويسبح في مائه الراكد، مقابل فصيل الإخوان ومن لف لفهم الذين لم يرهقوا أنفسهم يوما بتقديم أي قراءة للنص حتى، وإنما ركزوا على الفعل السياسي الذي أودى بهم للتهلكة.

مشهد الخطاب الديني الحالي هو مشهد بائس يواجه إسماعيل محمد بخالد منتصر بالبرهامي بالبغدادي في مشهد زاعق وصارخ يهمس على هامشه وجبات الدين اللذيذة السريعة التي يتم توصيلها للمنازل عن طريق عمرو خالد و مصطفى حسني وآخرون، بينما يخلو المشهد من أي قراءة حديثة أو مشروع فكري للإصلاح الديني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top