ترجمة: جورج عياد
دفاعًا عن الكوميديا.. \”لا يصح لحقبة يتزعمها ترامب ألا تكون مدعاة للضحك\”
أسعدت فكرة رئاسة ترامب الكوميديانات والساسة على حد سواء، فها هي سيث مايرس Seth Mayers، مقدمة برنامج \”لايت نايت\” Late night تعلق ساخرةً: \”يمتلك ترامب مسابقة ملكة جمال الولايات المتحدة، وهذا مفيد للجمهوريين، حيث تقوم المسابقة ببث محاولاتهم للبحث عن نائب للرئيس\”. وها هو باراك أوباما يسخر من دونالد ترامب في حفل عشاء البيت الأبيض للمراسلين في العام 2011، حيث قال إن ترامب \”بالتأكيد سيجلب بعض التغيير للبيت الأبيض\”، بينما ظهرت على الشاشات صورة تخيلية لـ\”كازينو ومنتجع البيت الأبيض لترامب\” مزينًا بالأعمدة الذهبية ولافتات النيون القرمزية. وها هو أيضًا چون أوليفر John Oliver بعد عامين من وصلة أوباما الساخرة من ترامب، يحثه على الترشح قائلًا \”افعلها! افعلها! وسأقوم شخصيًا بالتبرع لحملتك، باسم هذه الأمة التي لا تريدك أن تفوز في الانتخابات، ولكنها تريدك -وبشدة- أن تخوضها\”
والآن، وقد تحولت النكتة إلى حقيقة، وأصبح الضحك مهمة شاقة بعد انتصار ترامب. في تغريدة له على موقع \”تويتر\” ليلة إعلان نتائج الانتخابات، يقول جود أباتو Judd Apatow، عملاق الكوميديا، الذي شارك في أفلام شهيرة منها \” المذيع: أسطورة رون بيرجوندي\” (Anchorman) و\”حبلى\” (Knocked up) و\”وصيفات العروس\” (Bridesmaids)، يقول: \”شيء واحد لا أريد مشاهدته الآن: الكوميديا حول ما يحدث، لأن الوضع مخيف ومحبط جدًا\”
وعوضًا عن الكوميديا، آثرت العديد من البرامج التعبير عن الغضب والحزن.
يفتتح تريفور نواه Trevor Noah مقدم برنامج \”دايلي شو\” Daily Show حلقته قائلًا للجمهور: \”لست متأكدًا إن كان هذا هو المكان المناسب للنكات أم لا\” بالرغم من تعليق ساخر مرّره حول أنه \”بلل بنطاله من الذعر\”. أما كيت ماكينون، فافتتحت حلقة \”ساترداي نايت لايف SNL \” محاكيةً هيئة هيلاري كلينتون وهي تغني \”هليلويا\” للينورد كوهين، وقد كان هذا مؤثرًا ومتوافقًا مع حالة الغم التي أصابت الأمة. حينئذ أيضًا أظهر چون أوليفر جانبًا من غضب التحرريين، بعرضه مقطع فيديو لأناس يصرخون \”سحقًا 2016\” وصورة لإشعال النيران في لافتة ضخمة تعبر عن العام 2016. لم يكتف بذلك، بل دعا مشاهديه إلى \”الصمود والقتال\” عن طريق التبرع للمنظمات غير الحكومية المعنية بالدفاع عن الحقوق التي هدد السيد ترامب بانتهاكها.
ولكن على كل حال، ستنتهي عطلة الكوميديا هذه مع مرور الوقت، وسترتكب إدارة ترامب أخطاء مضحكة لا يمكن لأي سياسي تجاهلها، وخصوصًا المبتدئين والمتمردين منهم. ولكن السخرية من ترامب في برامج التليفزيون الليلية عملٌ محفوف بالمخاطر: وعلينا ألا ننسى أن خليطًا من المحتوى السياسي والترفيهي هو ما جعل صعود ترامب ممكنًا من البداية.
انتُقدت برامج مثل \”SNL\” و\”Tonight Show\”-الذي يقدمه جيمي فيلون- خلال الحملة، لتساهلها المفرط مع دونالد ترامب.
على سبيل المثال، أتاح له برنامج \”SNL\” تقديم والمشاركة في بعض الاسكتشات الكوميدية، وقام السيد فيلون بإفساد تسريحته بطريقة حميمة ومضحكة. وهذا باختصار جعله يبدو مقبولًا -بل ومحبوبًا- أكثر منه خطرًا، وهذا لم يكن له أن يأتيَ بأي خير.
ولأن الكوميديا تشكل مساحة مهمة للمقاومة السياسية، فإنه من الطبيعي أن يتم قمعها في روسيا، وكوريا الشمالية، والصين. يقول صحفي روسي لـ\”سامانثا بي\”: الشيء الوحيد الأسوأ من انتقاد الديكتاتور، هو أن تسخر منه.
وفي الواقع، كان هناك الكثير من الضحك على السيد ترامب- مثل حملة چون أوليفر (لنجعل دونالد \”درامف\” مجددًا)، وهي المقطع الأكثر مشاهدة من برنامجه. أشار أوليفر إلى أن أحد أجداد دونالد -الذي يبدو أنه كان يعلم الغيب- جاء بالاسم \”ترامب\” بدلًا من \”درامف\”Drumpf.\” وهو الاسم الأصلي والأصم لعائلة السيد دونالد.
\”درامف\”: هو الصوت الذي يحدث عندما تصطدم حمامة سمينة بإحدى نوافذ أولد نافي Old Navy. أو صوت سقوط زجاجة بيرة جذور من على رف في متجر صغير ملحق بإحدى محطات الوقود\”.
ثم يأتي أليك بالدوين Alec Baldwin مقلدًا دونالد ترامب، ليعدل لهيلاري كلينتون -التي تمثلها كيت مكينون- نطق كلمة \”الصين\” China إلى \”Gina\”، ثم يخبر المشاهدين أنه سيكون \”جيدًا للغاية هذه الليلة: هادئا ورئاسيًا، حتى إنكم ستقذفون في سراويلكم\” وقد أزعج ذلك السيد ترامب لدرجة أنه طالب بإيقاف بث البرنامج.
إذن، لماذا لم يكن كل ذلك كافيًا لدرء الناخبين؟ يعزي الكاتب الإنجليزي چوناثان كو Jonathan Coe السبب في ذلك إلى أن الكوميديا السياسية قد فقدت طبيعتها الخطرة. يكتب كو: \”إن الكوميديا المناهضة للمؤسسة الحاكمة ما هي إلا نتاج لعصر كان أكثر سذاجة ووقارًا من عصرنا الحالي، حين كان يعتبر فعلًا راديكاليًا أن تقف في ويست إند \”منطقة شهيرة في لندن\” وتطلق النكات حول رئيس الوزراء\”.
أما الآن، بالنسبة لعامة الناس، أصبحت السخرية من السياسيين كليشيهًا يضاهي في اعتياديته السخرية من الحموات. وقهقهة العامة، بدلًا من أن تكون مهددة للنظام، أصبحت بمثابة رد فعل بافلوفي \”نسبة إلى إيفان بتروفيتش بافلوف الذي تنسب إليه العلاقة الشرطية بين قرع الجرس ولعاب الكلب، عندما تعود الكلب أن يقدم له الطعام مع قرع الجرس\” للمواقف التي ستبدو صعبة جدًا أو كئيبة جدًا إذا ما تناولناها بوضوح. حينئذ تأتي الكوميديا لتكون بديلًا للفكر أكثر من كونها قناة للتعبير عنه.
هناك سبب آخر لذبول القوة السياسية للكوميديا. تعتمد قدرة الساخرين على تقويض النظام في الأساس على كونهم مستقلين عنه، يبرزون فساد وإخفاقات الطبقة الحاكمة عن طريق الضحك. تقول هيثر لامار Heather LaMarre من جامعة تمبل Temple University، إن العديد من الكوميديانات السياسيين لم يعودوا يمثلوا ذلك الشخص الضعيف الذي يسخر من العمالقة، بل هم مشاهير ويمثلون جزءًا من النخبة الليبرالية المتمدنة.
قد يتغير هذا الوضع بمجرد تنصيب السيد ترامب في يناير 2017. حيث سيتضاءل نفوذ الديمقراطيين في واشنطن. حينئذ، تقول لامار، سيُزاح أغلب الكوميديانات مجددًا إلى خانة \”المستقلين\” عن النظام. وإذا أقدم السيد ترامب على فرض الرقابة عليهم أو مقاضاتهم، فستكون نتيجة هذا هو زيادة تأثيرهم. ولكن على الكوميديانات التحلي بالحكمة في حالة حدوث هذا، تكمل لامار، وتوجيه النقد للسياسيين لا لمريديهم وناخبيهم. وهذا ما قد يكون من الأخطاء الفادحة في الحملة الانتخابية عام 2016، حين قام الكوميديانات بالتهكم والخسرية من مريدي ترامب، حتى يتجنب باقي المواطنين الأمريكيين الوصمة التي قد تصيبهم إذا انضموا إلى معسكر السيد ترامب. ولم يأت هذا إلا برد فعل عكسي، بل وأعطى دليلًا للسيد ترامب على أن الكوميديانات قد انضموا إلى القائمة السوداء، بينما هو -الملياردير ابن المليونير- عزز دوره كـ\”مستقل\” عن ذلك النظام، وتلك النخبة.
ينبغي على الكوميديانات التأمل في نموذج چون ستيوارت John Stewart. بالرغم من كونه أحد أعضاء النخبة الإعلامية مدفوعة الأجر في سنوات رئاسة چورچ بوش، إلا أنه بقي في طريق المعارضة الصحيح، لأنه لم يتطرق إطلاقًا إلى السخرية من مؤيدي بوش، مبقيًا على غضبه في اتجاه الإدارة وسياساتها، في سبيل الدفاع عن المواطنين. وهذا هو المثال الذي يجب أن يحتذى به.
تساءل الشاعر الروماني چوفينال-الذي اشتهر بالهجاء: \”من سيراقب الحرس؟ \” وكانت الإجابة الضمنية لسؤاله هي \”الساخرون\”. وبمجرد أن يحل السيد ترامب ونظامه محل المؤسسة التي ظلوا يهاجمونها، ستتسنى الفرصة لصناع الكوميديا كي يؤدوا دورهم بالشكل الأمثل. في المونولوج الذي أعقب انتهاء الانتخابات، وضعت مايرز ملحوظة لإدراة ترامب المرتقبة: \”نحن هنا، في (لايت نايت\” Late night) سنراقبكم\”
المقال الأصلي هنا