في الأساطير الفرعونية، خُلِق البشر جميعاً من دموع!
من دموع الإله \”رع\”، التي انسابت فوق الأرض واختلطت بالتراب، خُلِقنا. وفي رواية أخرى للأسطورة نفسها، نحن أبناء دموع \”أتوم\” لا \”رع\”!
اختلفت الروايات حول الأب/ الخالق، لكنها اتفقت على كينونتنا، على الدموع.
تقول الأسطورة إن الإله \”رع\” فقد إحدى عينيه وأرسل ولديه للبحث عنها، فتأخرا في العودة، ولما طال غيابهما اتخذ أبوهما لنفسه عيناً بديلة. عادت العين الغائبة لتُفاجأ بأن غيرها حلت مكانها، فذرفت الدموع كمداً، ونتج عنها البشر.
رغبةً منه في تكريم العين الباكية، قدمها \”رع\” للإله \”تحوت\”، ليثبِّتها في السماء لإضاءة الليل، فكان هذا ميلاد القمر.
كأن الميثولوجيا الفرعونية تخبرنا، أن الدموع في قصة الخلق تلك، كانت سبباً في إضاءة الليل وميلاد القمر، أي بشكل ما، كانت سبباً في السعادة، وأن المعاناة قد تكون المعبر الأمثل صوب الفرح، إذ في ظلها نشتاق إلى البهجة، وفي ضوئها نُقدِّر النِعمة على نحو أفضل.
أفكر في مفهوم \”السعادة\”، فأعيد قراءة حياتي كلها في ضوء جديد. لا أعرف الندم ولا أغرق في الحنين، فقط أنتبه إلى سعادات لم تبد لي كذلك في حينه، وأحزان تخفَّت في ثوب الفرح وأخرى لم أعشها بعمق معادل لعمقها. أكتشف أن سعاداتي السابقة، مشعة وباهرة، لكنها متفرقة ومُشوَّش عليها بضباب العادي واليومي والمتكرر. أُدرِك أنها – باستثناءات قليلة – سعادات مُخترَعة؛ مصنوعة يدوياً؛ اخترعتها وحافظت عليها بحنو لإيماني بأن السعادة قرار وإرادة؛ إرادة مقاومة القبح، والتفتيش في قلب العتمة عن نقاط الضوء وجمعها معاً وتعويد العين على اقتناص الجمال والتماهي معه.
أعيش حالياً حياة مفخخة في مدينة مرتعشة أو حياة مرتعشة في مدينة مفخخة، سيان.
المهم أن هذا الارتعاش والعيش في ظل الخطر، فتح مسامي كلها لتذوق أبسط أطياف السعادة والسُكْر بها. في حياة مماثلة؛ مفخخة ومرتعشة، أنتشي لرؤية وردة متفتحة لتوها، أو شجرة خوخ في موسم إزهارها، أو طفل يضحك بعمق غير مكترث بعالَم ينقلب رأساً على عقب من حوله.
تفاصيل بسيطة، ربما لم أكن لأكترث بها في السابق، لكنها الآن كافية لإضاءة يومي ومدي بطاقة فرح أسعى لتخزينها في ذاكرتي لأطول فترة ممكنة، رغم إيماني بأن لا ذاكرة للسعادة. هي منذورة للنسيان! إذ لسبب غامض، تحتفظ ذاكرتنا بلحظات الشقاء، وتتلذذ باجترارها، فيما تتبخر لحظات الفرح سريعاً. كأن السعادة بطبيعتها هشة ولحظية وقابلة للتطاير مع أول هبة هواء، أما الحزن فمُقيم وراسخ.