أحمد السيد الكيال يكتب: معنى مزعج للحب

كنا نجلس على المقهى، بينما كان صديقنا المخرج، يحكي لنا بطريقته المثيرة، عن إعجابه بأحد أدوار (محمود حميدة)، حتى انطلقت الست تشدو \”ليلي ونهاري\”، فقاطعه صديقنا الشاعر مطالبًا إياه بالانتظار لنستمع للسيدة (أم كلثوم) أولا.

وبينما نحن نستمتع بتلك الأغنية الرائعة، وكعادتها \”طلة الست\”؛ تجبر كل من في المقهى على الإنصات أو الحديث عنها، أو على الأقل خفض صوتهم، في الحقيقة لا أعلم إن كان إحترامًا أم حبا، ولكنه أمر يتكرر على الدوام، وأثناء ذلك شرد ذهني تمامًا و انشغلت بالتفكير في تلك الكلمات البديعة، وظللت أفكر فيها حتى كتابتي لهذه السطور.
\”الحب هو الود والحنية\”.. هذه الجملة بالذات استحوذت على تفكيري، بالرغم من أني لا أؤمن بأن هناك تعريفًا محددًا للحب، إلا أنه بالفعل لا يمكن أن يكون هناك حب بلا ود، كما أنه لا يمكن أيضًا أن يكون هناك حب بلا حنان وبلا رحمة، وظهر نفس المعنى واضحًا في النص المقدس(وجعل بينكم مودة ورحمة)، أي جعل بينكم حبًا.
أعتقد بما لا يدع مجالًا للشك أن انحسار \”الود والحنية\”، يعني بالفعل إختفاء الحب وتلاشيه، ويمكنك وقتها البحث عن اسم آخر لذلك الشيء الذي يربطك بشخص ما، كما يجب ألا نغفل أن المودة والرحمة يمكن أن تكون بينك وبين شخص آخر دون وجود للحب بالمفهوم الكامل، ربما يكون تعاطفًا مع ذلك الشخص، أو محاولة منك لتعويضه عن ذنب تعتقد أنك اقترفته بحقه، لكنها بالكاد لن تكون نفس المودة والرحمة الإستثنائية التي يختص بها شخص ما.
هل الود هو الاهتمام؟
أعتقد أن الود هو درجة أكثر دفئًا من الاهتمام، ليس كل اهتمام يمكن أن نعتبره \”ودا\”، يجب أن يكون اهتمامًا مميزًا، صحيح أننا لسنا أجهزة آلية، لكن كل منا يملك أولويات، فمثلا عندما تقتضي وظيفتك أن تدير أعمال شخص ما، أو أن تكون حارسه الشخصي، ألن تهتم بكل وأدق تفاصيله، فما بالك عندما تحب شخصًا ما؟
أعتقد أن التفسير الوحيد لنسيان أحد التفاصيل المهمة؛ هو عدم الاهتمام، يجب أن يكون هناك حرص من الطرفين على الود، على تذكر كل شيء يهم من تحب، والقيام بكل تحرك ومبادرة بناء عليه؛ طمعًا في إسعاد الطرف الآخر.
الكثير منا-ربما المعظم- في مجتمع ذكوري التفكير والسلوك، ذلك المجتمع الذي تُستخدم فيه ألفاظ جنسية توحي بالفعل في المرأة أو تصف عضوها التناسلي، كوسيلة لتوجيه الإهانات والتقليل من شأن الأشخاص والأشياء، وبدون الحاجة إلى التدقيق، يكفيك فقط الانخراط في الجلسات غير الخاصة، حتى تفهم جيدًا أن محور الحديث عن المتعة سيكون (الجنس)، ونعرف جميعا أن التباهي سيكون باستخدام القسوة لا الحنان مع المرأة، كما سيكون التجاهل لا الاهتمام أيضا وسيلة للفخر والدلالة على اكتمال رجولة المتحدث!
أنا لا أنكر وبالتأكيد لا أكره الجنس، قيمته ثابتة لدي بالغريزة وبالمنطق، لأني أعتقد أنه أحد أسباب بقاء الجنس البشري على هذه الأرض حتى الآن، ولكنه ليس السبب الوحيد قطعًا.
ولكن هل يمكنك تخيل هذا المشهد معي:
مقعدا بحر (شازلونج) متلاصقان، في مكان هاديء تمامًا، على أحد الشواطيء ليلًا، تجلس عليهما بجوار من تحب، تلف ذراعك حول رقبتها، وأصابع تلك اليد التي تستقر على كتفها؛ تلمس أطراف شعرها برقة، تتشابك أصابع يدك الأخرى بأصابعها، وتقربها منك حتى تمنحها قبلة حنونة، في نفس الوقت الذي تلامس أصابع يدها الأخرى خدك؛ فتمنحك كل لمسة مقترنة ببرودة منعشة، ذلك الإحساس الذي لن أستطيع وصفه، تغرقان في النوم على هذا الوضع.
ثم تستيقظان صباحًا، مصابين بالزكام بالطبع، فتذهب مسرعًا إلى باب ذلك (الشاليه)، لتستلم (بوكية ورد)، يشبه تمامًا أول بوكية ورد، كنت قد أهديته لها، في مناسبة ما لها علاقة بنفس التاريخ الحالي.
وأخيرًا:
هل ستشعر بالسعادة الشديدة إن كنت أنت بطل هذا المشهد؟
هل قيمة هذا الحدث مرتبطة لديك بأي مقابل من الطرف الآخر تنتظر حدوثه؟
إن كانت إجابة السؤال الأول بلا والسؤال الثاني بنعم؛ فأنا آسف جدا على حديثي بهذه الطريقة المزعجة عن الحب، وأنصحك بألا تقرأ لي مرة أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top