مروة أحمد تكتب: حقائق تناستها كبيرة اللجنة!

عقب الإفراج عن الدفعة الأولى من الشباب المحبوسين، ولم يكن من بينهم دومة أو علاء عبد الفتاح، تحققت تصريحات الأستاذة نشوى الحوفى وتبين فعلا أنها الكل فى الكل داخل هذه اللجنة بجانب مجموعة من الكومبارسات منعدمى الرأى، ولنا هنا مجموعة من الملاحظات.

بداية، أكدت كبيرة اللجنة أستاذة نشوى الحوفى أن عمل اللجنة يأتى فى إطار سيادة القانون، وهو أمر لا يمكن أن نخالفها فيه، فسيادة القانون هى أحد مطالب يناير الرئيسية، ولكن فى إطار سيادة القانون لا يمكن أن يشكل السيد رئيس الجمهورية لجنة بعد الحوار العلنى مع عدد من المغتصبين أو تجار المخدرات مثلا للإفراج عن عدد منهم، وبالتالى فتشكيل لجنة للعفو عن شباب الثورة المحبوسين هو إقرار ضمنى بأن هؤلاء الشباب لم يرتكبوا أى خطأ على الإطلاق وأنهم عورة هذا البلد التى تحاول الدولة سترها من حين لآخر، ولكن للأسف ما سترته من جانب، عرته من جانب آخر بضم سيدة دعمت ولا زالت تدعم كل قرار ديكتاتورى للسلطة للجنة الإفراج عن الشباب المحبوس.
السؤال الأهم هنا هو، لماذا قبلت الأستاذة نشوى الإنضمام لتلك اللجنة من الأساس؟ وأين حمرة الخجل؟!

الإجابة بسيطة تتألف من سببين، أولهما أنها مناضلة وجامدة وكل حاجة، ولكنها أضعف بكثير من الاعتراض على رغبة رئاسية حتى وإن كانت مخالفة لما أعلنت أنه فى صالح البلاد.

السبب الثانى والأهم هو داء البحث عن الوجاهة الاجتماعية، فكم قابلت من أشخاص معارضين للديموقراطية كمبدأ، ينضمون بكل حماس للأحزاب السياسية ويرازوا فى الشباب وينافسونهم على إدارتها، لأن مجرد الفوز بلقب أمين اللجنة ومنسق التكتل إلخ، يعد كنزا بالنسبة لأشخاص منعدمي المواهب، متوسطين أو أقل من المتوسطين مهنيا، وصلوا إلى منتصف العمر دون تحقيق الذات، وما أكثرهم ببلدنا، وهؤلاء هم من أوقفوا نمو الحياة السياسية والبلد كلها.

للأسف، فى خضم سعى أستاذة نشوى للأضواء عبر هذا التصريح وذاك الاجتماع وتلك التصويرة، تناست عدة حقائق.
مثلا، أنه عليها أن تتحمل وحدها تبعات الإندماج مع فيلم \”fantastic four\” دون إزعاجنا بتصريحات مضحكة عن خلع علاء عبد الفتاح لماسورة الدبابة، أو شراسة أحمد دومة، فالجميع يعرف أنهما كسائر شباب الثورة لا يمتلكون سلاحا غير كلماتهم، وأن دعاة العنف كتوا على قطر وتركيا، أو قابعون تحت الأرض للتخطيط لكوارث حقيقية، بينما نحن مشغولون بمعارك وهمية.. دعاة العنف لا يمارسون عملهم فى النور وداخل أوطانهم يا أستاذة.
ثانيا، هل تعلم عزيزى القارئ، لِمَ يرتدى المحامون الروب الأسود دائما؟
يعود ذلك للقرن الثامن عشر فى فرنسا، عندما شاهد قاضٍ مشاجرة تطورت إلى القتل، فر الجانى ونقل أحد المارة المصاب إلى المشفى ولكنه للأسف مات، وتم إتهام من نقله للمشفى بالقتل، بالصدفة تم إسناد المحاكمة للقاضى الشاهد على الواقعة، ورغم علمه بأن المتهم برئ، اضطر للحكم وفقا للوقائع المثبتة على الأوراق فقط، وعليه حكم على المتهم البرئ بالإعدام، وأعلن ندمه للرأى العام.

تمر الأيام ويفاجأ ذات القاضي بمحامٍ يتشح بالسواد أثناء المحاكمة، وعندما سأله عن السبب، قال للقاضى: كى تتذكر الجريمة التى ارتكبتها، ثم تم تعميم هذا الزي فى معظم الدول حرصا على تذكر هذا الخطأ وتوخى الحرص فيما بعد.

لِمَ كل هذا الحرص على تخليد واقعة حكم خاطئ؟ لا أعتقد أن فرنسا أو أى من دول العالم المتحضر لا تحترم القضاء، أو أن القاضى لم يكن أمينا، بل إن ما فعله كان مرجعه الحرص على سلامة إجراءات المحاكمة، ولكن الفكرة النبيلة هنا أن الالتزام الحرفي بما يقدم للمحكمة من أوراق، قد يؤدى فى بعض الحالات الإستثنائية إلى عكس الهدف منه، وهو تحطيم العدالة وإزهاق الأرواح، وهو ما يحطم دعوى أستاذة نشوى \”المعلنة\”، بضرورة التقيد المطلق بالأحكام الصادرة والعفو فقط عن الطلبة، خاصة فى ظروف مربكة كالتى تعيشها مصر، وهو ما يطرح فرضية وجود أقوال غير دقيقة وتحريات متجنية وناس حبت توجب مع المتهمين بصفتهم من الأسماء الشهيرة.

ولهذا السبب تطبق الدول التى واجهت ظروفا مشابهة ما يسمى بالعدالة الانتقالية (التى تسبقنا تونس إليها حاليا كالعادة)

كان أرخص ما فى طرح أستاذة نشوى من وجهة نظرى هو محاولة التمسح فى الحجاب كسبب لاضطهادها، وفى الشهداء من ضباط الشرطة، وإن كان هذا السلوك متسقا مع المجتمع المريض الذى نعيش فيه والذى يتغذى على الاقتتال حول قشور الدين والمظاهر -المجتمع الإخواني بدون إخوان- كما أن التغنى بشهداء الشرطة والجيش، صار بوابة مرور لكثير من المنتفعين هذه الأيام، وبالتالى اعتقدت نشوى الحوفي أنها ضربت عصفورين بحجر واحد!

للأسف، لا أعتقد أن أيا من شهدائنا قد ضحى بحياته ليقتل عددا من الإرهابيين، ثم يتربى أبناؤه فى بلد بائس فاشٍ فقير، يتغنى من يفترض أنهم قادة الرأى فيه بالتقشف والبؤس كدليل وحيد على الوطنية، بل ضحوا ليصير هذا البلد أقوى، أسعد وأفضل.

إكراما لشهدائنا الأبرار، علينا أن نتخذ خطوات \”جادة \” للتخلص من الفاشية بنهضة علمية وثقافية حقيقية تضمن القضاء على الأفكار الفاشية الرافضة للآخر كأفكار مدام نشوى، والبدء فورا فى تعديل قانون التظاهر والمضي قدما فى إجراءات العدالة الانتقالية لضمان رد الاعتبار لكافة الشباب المظلوم بجد، دون مراوغة أو تقسيط، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية تحول هذا البلد من مستهلك لمنتج، نعتمد فيها على رأى خبراء اقتصاد حقيقيين، لا أصحاب مصالح لا يعبأون بإفقار الناس.

صحيح نجحت أستاذة نشوى فى إستفزازي لأنها ذكرتنى بالضابط الإيطالى السادى فى فيلم \”عمر المختار\”، عندما كان يختار بالمزاج من سيقتل اليوم من الأهالى، ولكن من الواجب أن أقول لها أيضا إن الإدعاء بأن حبس هؤلاء الشباب هو السبيل لتحقيق الاستقرار لم يعد يتمتع بمصداقية، فى ظل الأوضاع الحالية، وبعد أن إنتقلتِ مع من على شاكلتك بمنتهى الرشاقة من مرحلة الوعود الخرافية، إلى مرحلة الترويج للبؤس (بإستثناء مجموعة من المخابيل المسعورين الفاشيين) باختصار رقصك مالوش جمهور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top