منذر فؤاد يكتب: كيري يحاول إنقاذ الانقلاب في اليمن

في وقتٍ تتصاعد فيه وتيرة المعارك ضد مليشيات الحوثي والمخلوع علي عبدالله صالح في تعز وحجة وصعدة، ويتقدّم الجيش اليمني في هذه الجبهات، بالتزامن مع تزايد حدّة السخط الشعبي الذي ضاق ذرعًا بانتهاكات سلطة الانقلاب، وجديدها توّقف مرتبات الموظفين، يطلّ وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بمبادرة جديدة لإنقاذ حلفائه في الداخل اليمني ومحاولة تخفيف الضغط عليهم، ليستمروا في مصادرة الدولة وقبلها إرادة الشعب.
ليست مبادرة كيري جديدة، إذ سبق وأن نشرت \”بي بي سي\” أبرز نقاطها التي تهدف إلى شرعنة الإنقلاب، والقفز على إرادة الشعب وتضحياته المستمرة منذ أكثر من عامين، لكن اللافت، هذه المرة، اجتماع كيري وجهًا لوجه بوفد ميليشيا تتخذ من \”الموت لأميركا شعارًا لها\”.
سيقول الحوثيون إنّ لقاءهم كيري يأتي في إطار وقف الحرب التي يقوم بها \”العدوان السعودي الأميركي الصهيوني\”، وسيحاولون إظهار أنفسهم دعاة سلام، لكنهم يكذبون كما يتنفسون، إذ أنّ ممارساتهم، منذ دخولهم صنعاء، يكشف أنّهم دعاة حرب، لم يلتزموا بسطر واحد من كلّ اتفاق وقعوه مع الشرعية، كما أفشلوا جميع مشاورات السلام، سواء التي عقدت في سويسرا أو في الكويت.
يتحدّث كيري من مسقط، عقب اجتماعه بوفد الإنقلاب عن اتفاق بين الشرعية والإنقلاب، لتشكيل حكومة وحدة وطنية نهاية العام الجاري، بينما ينفي وزير الخارجية اليمني، عبد الملك المخلافي، أيّ اتفاق من هذا النوع، مؤكدًا أنّ كيري يبحث عن تحقيق مكاسب لإدارة أوباما التي شارفت ولايتها الثانية والأخيرة على النهاية، وهذه تصريحات قوية لم يسبق وأن تحدّث مسؤول يمني عن الولايات المتحدة بهذه الجرأة، وربما يعكس ذلك أنّ الشرعية قرّرت عدم الإنصياع للضغوط الأميركية، وأدركت أن دورها لا يعدو عن أنه سحب للبساط الشرعي من تحتها، ومن ثم تحميلها تبعات حربٍ لم ترغب فيها.
يحاول كيري ردّ الجميل للحوثيين، بعد إفراجهم قبل أيام عن مواطن أميركي من سجونهم المكتظة بآلاف اليمنيين، من دون ذنب، كما يسعى كيري إلى لعب دور في ترتيب البيت الداخلي للإنقلاب، بعد بروز خلافاتٍ طفت على السطح بين أنصار صالح والحوثيين، سببها التشكيلة الحكومية المقرّر إعلانها في صنعاء، ليس هذا فحسب ما يسعى إليه كيري، فاشتداد المعارك وتضييق الخناق على مليشيات الحوثي وصالح في صعدة وحجة وتعز، وتقهقر عناصرها أمام الجيش اليمني لا يساعد على توازن القوى الذي تريده أميركا لإطالة أمد الحرب.
يتصاعد الغضب الشعبي في صنعاء ضد انقطاع رواتب الموظفين، وهو غضب يختلج حتى في نفوس مناصري الانقلاب الذين بدأ شبح الجوع يتربّع على مخيلتهم نتيجة توقف مصادر دخولهم المعيشية. ومن هذا المنطلق، يسعى كيري أيضًا إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإيجاد حل يحفظ لهم جزءًا من السلطة، لن يستطيعوا الاحتفاظ به، فيما لو استمرت الحرب.
تعكس تحرّكات كيري رغبة الولايات المتحدة في الاحتفاظ بنفوذها داخل اليمن، والإبقاء على طرفي الانقلاب في المشهد السياسي، كونهم الأقدر على رعاية مصالحها، وتحقيق مخططاتها التي فشل عبد ربه منصور هادي في تحقيقها.
يلعب كيري آخر أوراقه في اليمن، ليحقق انتصارًا دبلوماسيًا على حساب دماء آلاف الشهداء والجرحى، لكنه سيفشل حتمًا مهما حاول ذلك، نظرًا لأنّ الزمن يتقدّمه بكثير، ومبادراته المهترئة ليست سوی جزء من الماضي الذي يرفضه اليمنيون جميعًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top