هاني محمود يكتب: رسالة فيما تجهله عن المعرفة

(1)
باب في أن (المعرفة مُكلفة)
اعلم يا أخي أيدنا الله وإياك بروحٍ منه، أن الطريق إلى المعرفة شاقٌ وغير ممهد، وعليك ارتياده راضيًا صابرا، لا تبتغي في سبيله سوى الحق وحده، وأنَّ تكلفته متعددة الجوانب، مادية وجسدية ونفسية وذهنية، وأنه لا سبيل إلى بلوغ قمة المعرفة والثقافة إلا ببذل الجهد والمال، وأن تنسى ذاتك وتفنى في الحقَّ والحقيقة، فتجني حينها بعضُ الثمار، أو تزيد أسئلتك وتقلَّ أجوبتك وهو المطلوب؛ فكلما زادت الأسئلة كانت خير دليل ع سلامة العقل وصحة الروح.
(2)
باب في أن (المعرفة جاذبةً للهمَّ)
اعلم يا أخي أيدنا الله وإياك بروحٍ منه، أنَّ العلاقة طردية ومترابطة ووثيقة الصلة بين زيادة المعرفة والوعي والنضج وبين دوائر الهمَّ التي تزداد تلقائيًا بلا تدخُل منك، كما أنه لا سبيل إلى نزعها إلا بتوقف السعي للمعرفة؛ وهذا مُحال حدوثه، لأنَّ الخلاص للوعي الفردي والعقل الجمعي هو بالمعرفة، وإن كان الهمَّ أحد ثمارها وجوانبها المظلمة، فإنَّ الحلول التي تزرعها داخلنا المعرفة للأزمات والمشكلات التي نقابلها، كفيل بأن يجعلنا نجني ثمارها، غيرُ متلفتين لما تسببه من حُزن للروح.
(3)
باب في أن (المعرفة إبتلاء)
اعلم يا أخي أيدنا الله وإياك بروحٍ منه، أنَّ كل ما يقوله القُراء والباحثين عن لذَّة المعرفة وكشفها ما هي إلا محاولة إيهام أنفسهم وخداعها بأن للمعرفة جمالٌ ولذّة وأنس وبهجة وروعة ودهشة –وهذا فضلٌ لو تعلمون عظيم– غير أن خُلاصة الأمر أننا مُبتلون بالحقيقة، قد نقرأ عشرات الكُتب، لنستوضح فكرة ساذجة أو مفهوما ما أو قضية مضى على طرحها مئات السنين، غير أنه الابتلاء حين يُسيطر علينا، لا مفر من الحقيقة إلا إليها، نسير مُطمئنين وخاشعين لدى حضرتها، ونستجيب إلى ما تُمليه علينا، تجري منَّا كما يجري إبليس من ابن آدم مجرى الدم.
(4)
باب في أن (المعرفة لا حدَّ لها ولا نهاية)
اعلم يا أخي أيدنا الله وإياك بروحٍ منه، أنَّ المعرفة قد يكون لها بداية بسؤال أو فكرة أو كتاب، غير أنه لا نهاية لها، هي تمامّا كالحُبَّ (الغارقُ فيه ناجٍ)، وكالماء المالح (الشاربُ منه ظمآن يطلب المزيد)، وتتفق المعرفة مع المفهوم الصوفي الذي يعتبر (الوصول كُفر) فالعبرة أن تكون على الطريق، فما دُمت عليه فأنت بخير، لا أن تصل.
(5)
باب في أن (المعرفة تطلُب ولا تُطلب)
اعلم يا أخي أيدنا الله وإياك بروحٍ منه، أن بدء الطريق من المعرفة تكون منها إليك، وأنت لا تفعل سوى الإذعان إليها راضيًا، كما يقول محمود درويش في \”لاعب النرد\”: (لا دَوْرَ لي في القصيدة غيرُ امتثالي لإيقاعها)، هو لم يقم بأي مجهود هنا، سوى امتثاله وموافقته وسيره إلى ما يُملى عليه، إذن المعرفة تصطادنا وتطلق موسيقاها إلينا، ترمي الطُعم فنأكله مبتهجين، تطلبنا فنكون، ولا دور لنا إلا الامتثال إليها كما امتثل درويش لإيقاع قصيدته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top