صعقت عندما قرأت عن تفشي وباء الكوليرا في السودان واليمن، هذا الوباء الذي كنت أظن أنه أصبح من الماضي، وكان نص الخبر الذي صعقني يقول: \”اجتمع رئيس الحكومة اليمني بالوزراء لبحث سبل مواجهة تفشي الكوليرا وانقطاع التيار الكهربائي بصورة مستمرة\”، وبقليل من البحث اكتشفت كارثة انتشار الوباء في البلدين الشقيقين.
وأول ما تبادر لذهني عندما قرأت هذا الخبر المشئوم، هي عبارة كنت سمعتها في مسلسل \”ملوك الطوائف\”، الذي يحكي عن فترة مهمة من تاريخ الأندلس، هذا المسلسل الذي وكأنه يتحدث عن أحداث نعيشها اليوم في عالمنا العربي المعاصر، هذه العبارة كانت بمثابة خلفية تترد مع أحداث المسلسل، وكانت تقول: \”إن الطغاة سبب الغزاة\”، ودعوني أتساءل: هل من غازٍ أضر وأفتك من وباء يضرب شعبا أعزل من أي دواء؟!
ستسألني يا صديقي، وهل من العار أن يتعرض شعب ما لوباء، ألم تضرب أفريقيا في أيامنا هذه بوباء الأيبولا القاتل، فلِم تبالغ وتضخم الأمر؟ أقول لك إنه ليس من العيب أن يصاب شعب بوباء غير معروف، فهذا وارد، وليس بعيدا عن أكثر شعوب الأرض تقدما، ولكن الطامة الكبرى أن يصاب شعب بوباء الكوليرا المعروف جدا ونحن في العام 2016، أي إهمال تعرض له أهلنا في اليمن والسودان ليصلوا إلى هذه الدرجة؟! وإلى أي درك من التخلف نزل بنا الحكام الطغاة؟!
الطغاة يا صديقي مشغولون بتثيت دعائم طغيانهم وفقط، أمر توفير المياه الصالحة للشرب، هو أمر ثانوي وتافه في نظر طاغية، فلا ضير ألا يجد الشعب مستشفى تعالجه أو محطة مياه تنقي له ماء شربه، أو مدرسة تحميه من شر الجهل، أو اقتصادا قويا يحميه من ذل الفاقة والفقر، كل هذه الأمور في نظره تتضاءل بجوار بقائه في سدة الحكم، والذي أصبحت البلاد والعباد بمقتضاه ملك يمينه، يفعل بهم ما يشاء.
الطغيان يا صديقي سبب جُل الكوارث التي تنهال على شعوبنا بصورة شبه يوميه، الطغيان هو الذي دمر سوريا، وهو الذي خّرب اليمن، وهو الذي أفسد مصر، الطغيان هو الذي يأتي إلينا بجحافل الغزاة ويفتح لها الأبواب بنفسه، لا يفرق في ذلك إن كان الغازي هو الفقر أو الجهل أو المرض أو الطائرات والدبابات.
لو فكرت قليلا في أحوال أهلنا المنكوبين في اليمن أو العراق أو سوريا أو ليبيا أو السودان، ستجد نفسك مجبرا على الرجوع بذهنك إلى السبب الرئيسي لتداعي أسباب الهلاك على هذه البلدان، ألا وهو الطغيان.
الطاغية أناني لا يفكر إلا في نفسه، ولا يحب أحدا سواها، من المستحيل أن يقوم الطاغية بشئ لمصلحة البلد التي ترزح تحت نير حكمه، ما لم يكن في صالحه في الأساس، وإذا تعارضت مصلحته الشخصية مع مصلحة البلد المبتلى به، فبدون تردد ستجده، يفضل مصلحته الشخصية حتى لو كانت في مقابل حياة الألوف من شعبه، وأنت لا تحتاج أكثر من النظر إلى سوريا لتعرف مصداقية ما أقول، فالمجنون الذي يحكمها أثبت بما لا يدع مجالا للشك مدى إستعداد الطاغية لحرق بلده، والتضحية باستقلالها، لدرجة أنها أصبحت ملتقى جيوش العالم، مقابل أن يستمر في حكمها.
وبالنسبة لليمن وما وصلت إليه، فطغيان المخلوع علي عبد الله صالح أوصلها لهذه الدرجة، فهو لم يكتف بتدني مستويات التنمية -إن لم يكن انعدامها- خلال سنين حكمه العجاف، بل إنه لم يتورع عن مشاركة ميليشيات الحوثي في تدمير بلده لمجرد أنه لم يصبح رئيسا له.
لذلك فصدق من قال إن الطغاه كانوا دوما سبب الغزاة، وأنا أقول لك والكوليرا أيضا.