أكتب هذه الرسالة إلى شخص ما، فأنا أثق أن أحد الناس سيهتم بلا شك، ربما سأصبح مشهورًا، مازال لدي فرصة، فأنا مازلت في الثلاثينيات من عمري، أو ربما سيهتم أحد أحفادي، أيضًا مازالت أتصور أني سأتزوج يومًا ما، لذلك هذه الرسالة سأضعها في مكان، لن يجدها إلا أحد مهتم لأمري.
وربما سأموت بلا ذكرى، ويجد تلك الرسالة غريب، شخص ما سيشتري منزلنا، ويكون إبنه المقهور المحاصر الممنوع يحب القراءة، أو يتخلص من هذا \”الكمودينو\”، فيباع في سوق الأثاث المستعمل، فيشتريه رجل فقير، ويضعه في غرفة إبنه الطامح الحالم المتفائل الذي يهتم بقراءة كل قصاصات الورق، ذلك الفتي التي تجذبه عناوين المقالات، في ورقة الجريدة المفروشة تحت الطعام، يستأذن أمه حتى يقطع المقال ليحتفظ به، فتضحك ويسخر منه الوالد.
ربما سأهديها إلى الفتاة التي سأقابلها وأقع في غرامها، أو سأرزق بابنة جميلة، فأضع تلك الرسالة في يدها، وأطلب منها أن تحتفظ بها، في الحقيقة لن أسمح أن تذهب تلك الورقة في حياتي، إلا لمن يهمه أمري، أما بعد أن أموت، فيمكنكم أن تحرقوها، يمكنكم أن تنثروا رفاتها في الهواء الطلق، في الشارع أو من فوق سطح منزل قديم، لكن أرجوكم؛ لا تلقوا بها في القمامة.
والآن فيا من تقرأ رسالتي أيا كنت، لعلك تسأل نفسك الآن: من ذلك المزعج؟
– أتعلم من أنا؟ أنا مجرد إنسان، تعتقد أنها إجابة تقليدية؟ لا، صدقني يا عزيزي، أنا لست متواضعًا بهذه الإجابة، بل بالعكس ربما أنا في قمة الغرور، أيا كان الزمن الذي تعيش فيه، وأنت تقرأ كلماتي، فأنا أقسم لك، أن من يستحقون أن يطلق عليهم لفظ إنسان أقل مما تتوقع، أرى تلك النظرة، تعتقد أنني مجنون، وتجهز نفسك لوصلة من الضحك، أعدك أنك ستضحك على نفسك، وسيأتي اليوم الذي سيقرأ تلك الرسالة شخص ما فيبكي، يبكي بحرقة، ويتألم لواقع أسود مرير، لا يهم إن كان غنيًا أم فقيرا، فقط إن كان يملك قلبًا وعقلا.
لعلك ستسأل مرة أخرى، إذا أنت تقصد أن مجتمعنا أصبح مجتمعا حيوانيًا؟
– لا يا عزيزي، سأظلم الغابة إن قصدت ذلك، الغابة مجتمع مليء بالرحمة، عندما يأكل الجارح فريسته، فهو لا يرتكب جريمة، إنه يتبع نظامًا، يحافظ على بقاء مجتمعه، وينقذ الكون من وقوع خلل ربما يودي به إلى النهاية، ذاك الحيوان لا يقتل لتسلية ولا إنتقام، تنتفي صفة الفريسة عن مبتغاه إذا كان شبعانًا، يقتل مضطرًا ليحافظ على بقاء النوع، ويحافظ على النظام الموضوع.
أنا إنسان وأنتم بشر، أنا أهينكم الآن، هل تعلم لماذا؟ لأني سأكشف قبحكم، أنتم تقتلون الأطفال والأبرياء، وتتاجرون بدمائهم، وتطوعون وتزورون الأديان، وأحيانا تصنعونها، وتتاجرون بها، وتدعون الإنسانية، وتتاجرون بها، وتكذبون وتمثلون، وتلعقون حذاء مصالحكم.
ستسألني بسخرية، كثيرون يقولون هذا الكلام، وما الجديد؟
– الجديد أن كل من يقول هذا الكلام هو زائف، هذه المرة الأولى التي أقول إني إنسان وستكون الأخيرة، أما من يمثلون الإنسانية عليك كل يوم، هم أشد البشر عداء للإنسانية، يصرخون في وجهك، ويطاردونك بكل الوسائل، في الصحف والتلفاز والتواصل الاجتماعي، ويطلقون على أنفسهم أسماء هي منهم براء، فيدعون أنفسهم بالضمير والحقوقي والمناضل، وينشرون صور مزيفة للأطفال المقتولة، ويبكون ويصرخون، ويقمعون حقك في التفكير والتدبر، ويجبرونك على التعاطف والتضامن والتكاتف، ثم ماذا؟ بعد وقت قصير، في نفس تلك البقعة، ونتيجة لما يسوقون ويفعلون ويشجعون، بدلًا من أن نتشكك في وفاة العشرات، نتأكد من مقتل ونزوح الملايين، وسبي النساء ويتم الأطفال، وتدمير ما تركه الأجداد من آثار، ونشر أقبح الأفكار، وكلها بلا جدال، مجرد خطوات في محو أي أثر للإنسان على هذه الأرض.
هل هذه هي الإنسانية المبتغاة؟ ثم كيف ينظرون إلى بعضهم البعض؟
عزيزي المخدوع، لا تترك المظاهر لتخدعك، فقط تأمل المضمون، فقط عمق النظرة سيكشف لك الحقيقة السوداء، ألم تصبح المرأة مجرد \”فرج\”؟ أداة للمتعة وإناء في مختبر، تضع فيه السائل وتنتظر مخلوقا ستربيه لكي يكون أحقر منك؟ ألم تصبح الجنة في مخيلتكم مجرد قصر كبير تشرب فيه الخمر وتأكل الطعام وتمارس فيه الجنس بلا مقابل؟
هل أصبحت متعة الحياة الوحيدة هي الجنس والأكل التناسل؟
ألم تسلبوا الأبناء حقهم في الاختيار؟
وتفرضوا عليهم بالقوة وجهة نظركم في الدين والسياسة والعمل والزواج؟
ألم تتطفلوا وتسلبوا الآخرين خصوصيتهم؟
بل وتسيئون الظن، وتفترون على الأخرين بالباطل، وتقذفون الناس بالظنون والتهيؤات.
أنتم جعلتم من الحياة جحيما، حياتكم بالنسبة لي بلا معنى ولا مغزى، بلا جدوي، وجعلتم من الجنة ماخورا، جنتكم بالنسبة لي بلا قيمة ولا لذة ولا رغبة فيها، وجعلتم الرغبة في أن يكون لك أبناء ظلم لهم، فلماذا تنجب طفلا لتعامله بقسوة وكراهية وعبودية، هل تقاومون انتهاء الرق والعبودية في العالم بأن تستعبدوا أبناءكم؟
تقاوموا؟
أعتقد أني مخطأ، ربما لو طرح الأمر في استفتاء، لأصبح مادة في تعديل دستوري!
أشهد الله أني لست منكم، وأنا مؤمن متأكد وواثق، في حقيقة واحدة، أني لست وحدي، نعم سأجد من هم مثلي، مجموعة كبيرة من الحالمين، صدقهم أقوى من الزيف الذي يجري في عروقكم، وربما أجد فيهم امرأة تستحق ما تبقى من عمري، واستحق بعضًا من عمرها، وربما ننجب طفلًا، أثق بأننا سنجعله يحب الحياة.
سنقاومكم وسنملأ العالم ضجيجًا حتى نمحوكم وننتصر، ومن يقتل منا دون حلمه فسيذهب إلى الجنة، ولكنها ليست جنتكم، جنتنا التي نرجوها من الرب، مجرد كوخ خشبي في سفح جبل على شاطيء محيط، تحيط بها الأشجار من كل مكان يسكنه الرجل وزوجته.
أخيرًا يا عزيزي عليك أن تعلم أن المعني الحقيقي للإنسانية، هو التخلص من كل أعدائها، ببساطة شديدة المجتمع الإنساني هو مجتمع يطبق فيه قانون إنساني، ويمحق ويقمع ويقتل كل من يعادي الإنسانية ولكن بقوة القانون، الإنسانية هي النظام والعدل والمساواة.
هذه الرسالة وجهة نظر غير ملزمة من شخص بمعايير زمنه المجنون.