يعيد التاريخ نفسه.. فقط عندما لا نقرأه.. والتاريخ يعيد نفسه فقط في الفشل.
يتعلم أبناؤنا في كتب التاريخ كيف قام الشعب المصري العظيم في المائة عام الماضيه بثلاث ثورات عظيمه، وهي: \”1919- 1952-2011\”. وكان على ابنائنا أن يرددوا هذه الجملة المسيئة بفخر، ويحفظوها ويكتبوها في إجاباتهم آخر العام.
قد ينزعج البعض من كلمة مسيئة.. نعم مسيئة لوعي وعقل الشعب والقائم على حكم هذا الشعب، لأننا تعاملنا بسطحية وجهل مع تاريخنا.. الثورات تتبعها نهضة وحضارة وتؤسس لدعائم دولة قوية تصمد على الأقل مئات السنوات، وهذا ما لم يحدث طوال المائة عام الماضيه.
لو علمنا ابنائنا كيف يقرأون التاريخ ويحللوه، ليس كحدث في الماضي وانتهى.. التاريخ كُتب لنتعلم من أخطائنا.. لنترك للتلميذ المساحة الحرة لقراءة الحدث الذي كُتب، ونترك له حرية التحليل والوقوف على سلبيات الحدث وإيجاباياته.
لو وقف جيل ثورة 1952 على أخطاء ثورة الشعب في 1919، لما كنا اليوم نعيش هذه السنوات الحرجة التي تضع الوطن على المحك الآن. ثلاث ثورات ليس معناها أننا شعب عظيم، بل معناها أننا فشلنا في الثلاث ثورات وكررنا نفس الأخطاء!
وتعالوا نسأل: ماذا لو أن مبارك أكرمه الله بأن يقرأ تاريخه المصري، وخصوصا عصر المللك بيبي الثاني في عصر بناة الأهرام؟
جلس \”بيبي\” على عرش مصر، وهو في التاسعة من عمره، وكانت أمه وصية عليه.. استلم دولة قوية راسخة.. العدل فيها كان أساس الملك، وكان لسوء حظ مصر أنه كان أكبر معمر في حكام مصر, لأنه مات في التسعين من عمره، فكان طول مدة حكمه كافيا لتفجير أول ثورة اجتماعية وشعبية في تاريخ مصر.
سأسرد لكم أسباب هذه الثورة، وعليكم أن تقارنوها بأسباب ثورتنا.. ثورة 25 يناير 2011، لأنكم عايشتم أسبابها وأحداثها، وما وصلنا إليه اليوم.
كان الوزراء قبل \”بيبي الثاني\” يجب أن يكونوا أهلا لمناصبهم.. عليهم أن يثبتوا براعتهم في الفلك والطب والهندسه والنحت، مع طول عمر الملك واحتفاظه بالوزاراء حتى يتوفاهم الله، وبطول العشرة بين الملك وبين وزرائه، صار يجاملهم بتعيين أبنائهم في مناصب أبائهم، دون الالتفات للكفاءة والموهبة.. كان الاختيار بناءا على الواسطة في تعيين المسئولين، والذين بدورهم جاملوا الموظفين الأصغر في توريث مناصبهم.
قتل هذا المبدأ الأمل في ذوي الكفاءة من الشعب في الوصول للمناصب التي يستحقوتها \”انتشار المحسوبية\”.
حكام الأقاليم كانوا قبل عهد بيبي يتم بالتعيين، فكانوا يحرصوا على النهوض بالإقليم وجمع الضرائب لخزانة الدوله لتمويل المشروعات القومية.. صار حاكم الإقليم يتوسط لإبنه عند الملك ليحكم المقاطعة ولطول عمر الملك، أصبح المنصب يورث.
بدأ الناس يتوددون لحاكم الإقليم \”لينوبه من الحب جانبا\”، وصار ولاء أهل المقاطعة يتحول لحاكم الإقليم.. بدأوا يضعوا الضرائب في خزائنهم، واستأسدوا على الملك، الذي بدأ يفقد سيطرته على الحكام، وكونوا فرقا عسكرية لحمايتهم وممارسة البلطجة وتهديد الملك، وأصبحت خزانة الدولة خاوية بعد أن ذهبت لجيوب رجاله من حكام الأقاليم \”رجال الأعمال اليوم\”.
وأصبح الملك عاجزا عن إقامة المشروعات، فبدأت البطالة تسود والجوع ينتشر، وامتلأت مخازن الإقطاعيين بثروات البلاد، والقضاء الذي كان قبل بيبي يحاكم حتى زوجة الملك طبقا لقسم إقامة العدل، أصبح في عهد بيبي الثاني مثل باقي المؤسسات يعين فيه القصاة أبناءهم، ودخلت المحسوبية لمؤسسة القضاء, فأصبحت المحاكم تنصب للفقراء حتى لمن سولت له نفسه سرقة خبز يطعم به أولاده! ويتغاضوا عن أي شكوى ضد النبلاء والأمراء، فتجرأوا على ظلم الشعب, وبدأ الملك يخاف من جوع الشعب وتمرد الفاسدين والإقطاعيين عليه فتسقط مملكته، وعزل نفسه عن الشعب تماما، وصم أذنيه عن صراخه، حتى فوجيء هو وبطانته بخروج الشعب عن بكرة أبيه في ثورة شعبية هرب أمامها الإقطاع وسقط ملكه، وهاجم الشعب مؤسسات القضاء ودهسوا بأقدامهم كل المستندات في المحاكم وحرقوها، لأنها كانت رمزا للظلم والجوع، وعمت البلاد فوضى استمرت أكثر من 150 سنة.
ولأنني قرأت التاريخ بعين المحلل، ومن خلال متاعبتي لما يحدث من انتهاكات، فإننا نسير بخطى ثابتة نحو ثورة ستزلزل الدولة واسميتها ثورة الجياع الثانية، فقد كتبت هذا البوست في الخامس من ديسمبر 2010، أخدت منه نسخه هنا، وأنقله من على صفحتي الشخصية على الفيسبوك بالتاريخ كما هو، لأقول فقط إننا سنكرر نفس أخطائنا, وستفشل ثوراتنا.. فقط لأننا لا نقرأ التاريخ.. لأننا لا نتعامل مع التاريخ على أنه الأساس الذي تقوم عليه وتنهض الأمم، وأن التاريخ يعيد نفسه.. فقط عندما لا نقرأه.
انتظروا الجزء الثاني من المقال غدا.
Bottom of Form