مي مجدي تكتب: فى حنين إلى أي اندهاشة

لازالت أذكر أول يوم استخدمت فيه المواصلات العامة بمفردي فى اليوم الأول لدخولي الجامعة، وكيف أنني كنت منزعجة من حجم الزحام فى الشارع ومرتسمة على وجهي كافة عامة الاندهاش والتعجب من سلوكيات الناس والسيارات المسرعة، كان كل شيء بالنسبة لي غريبا ويدعو للدهشة والتساؤل، ذلك لأنها كانت فقط أول مرة أستخدم فيها المواصلات العامة.
ورغم مرور ما يزيد عن 10 سنين، إلا أنني لا أنسى أبدًا أول مرة في حياتي أحضر حفلا لطلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وكيف كانت صدمتي ودهشتي لطريقة تعاملهم مع بعضهم البعض وتعاطيهم مع الحياة، يومها ولأول مرة شعرت أن العالم واسع وكبير وأني نملة صغيرة فقدت سرب النمل الذي كانت جزءا منه.
عدت لمنزلي بإحساس كبير من الاندهاش والإعجاب والفرحة الممزوجة بالمفاجأة، هناك آخرون فى هذا العالم يعيشون بطريقة غير معتادة بالنسبة لي، وظل المشهد يقفز لذاكرتي من وقت لآخر، حتى تعودت على هذا الأمر وبدأت أراه شيئًا عاديًا، إلا أن حلاوة هذا الشعور لم تتكرر من يومها فى حياتي.
ومرت السنون وشاركت فى عشرات الأنشطة والفعاليات الاجتماعية وسافرت إلى مدن متنوعة فى مصر من شرقها إلى غربها وجربت تقريبا كل وسائل المواصلات العامة من الطائرة إلى التوك توك، وبالرغم مما يفعله بي السفر من سعادة وانطلاق، إلا أن الأشياء وبعد كل هذه السنوات لم تحتفظ بطعمها الحقيقي ومذاقها الأول، ورغم أني طوال سنوات عمري دائما ما كنت أنتقد -بيني وبين نفسي- أولئك الناس قليلي التجارب، عديمي الخبرات الحياتية الذين لم يجربوا أساسيات الحياة -من وجهة نظري- التي تتمثل في السفر وحضور المعسكرات والمشاركة فى الأعمال التطوعية والأنشطة الجامعية، إلا أنني الآن أغبط هؤلاء الناس الذين يشاركونني الأشياء التي اعتدت أن أفعلها، يجربونها للمرة الأولى بشعور كبير من الاندهاش والتعجب والسعادة، هذه سعادة المرة الأولى وحماس الشيء الجديد، ذلك الشعور الذي لم أعرف له حلاوة إلا الآن، شعور زيارة مكان أثري لأول مرة، شعور ممارسة الغوص لأول مرة، شعور تجربة نوع جديد من الطعام، إحساس عظيم بالسعادة ناحية الشيء الجديد يخلو من أي تجارب أو خبرات سابقة يجعل الأشياء كلها حلوة وممكنة.
حتى الشعور بالخوف والقلق من الأشياء الجديدة أو المجهولة، مازال شعورا رائعا، يُشعر الإنسان أن قلبه مازال ينبض، إحساس الرهبة من مقابلة العمل أو \”الإنترڤيو\” ودقات القلب المتسارعة، السهر طوال الليل للتفكير فى المقابلة وماذا سيحدث؟ ولحظات الطمأنينة والتنهيدة بعد أول ابتسامة على إجابة لسؤال طرحه صاحب العمل، افتقد جدا كل هذه الأحاسيس والمشاعر المتضاربة المتسارعة، فاليوم بعد سنوات من مقابلات العمل أصبحت أتعامل معها وكأنني ذاهبة للتعرف على مجموعة جديدة من الناس ولا يهمني كثيرًا النتيجة، فالأمر كله يتعلق بتقضية وقت ممتع لا أكثر.
أعيش بشعور \”ولا أي اندهاشة\”.. أصبحت حقًا قليلة الاندهاش والتعجب، فكل الأشياء باتت عادية ومكررة، لازلت أستمتع بنفس الأشياء التي كانت تسعدني من قبل، ولكن درجة الاستمتاع والسعادة بها لم تظل على نفس المستوى.

إن للخبرة وتجارب الحياة أيضا عيوبا، وهذه بعضها.. أنها تحرمنا من حلاوة بعض الأحاسيس الأولى التي عادت لا ترتبط إلا بالمرات الاولى، وأنا الآن فى حالة حنين إلى أي اندهاشة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top