(1)
على صفحتي الشخصية بموقع الفيسبوك كتبت بوست عن (معاوية بن أبي سفيان)، كان موضوعه جدليًا، لأن صاحبه شخصية جدلية، وكنت أهدف من وراء البوست أن يُحرك الأسئلة التي استكانت العقول عليها، لعلها تأتي بجديد، فقام أحد الأصدقاء بترك البوست وتعليقاته المختلفة ليسألني عن مأربي الشخصي وعن نيتي فيما كتبت، وحين نفذ صبري وضاق صدري، جاوبته –ساخرًا متهكما– بأنني أسعى لأن اهدم الدين، فكانت إجابته بأن ذلك هو ما يسعى لمنعه، فبُهتُّ وخاب مسعاي، وحمدتُ الله الذي عافاني مما ابتلي به غيري.
(2)
أكثر من 1400 عام؛ وحروب طاحنة بين المسلمين واختلافات سياسية يشيبُ لهولها الولدان، وإنشقاقات مذهبية بين شيعة وسنة وصوفية ومعتزلة وأفكار إلحادية، وما سقط الدين، بالعكس كان كل ذلك دليلا علي اتساع مظلته التي تحتوي أصحاب الفكر المختلف وتجَّمع أكثر مما تفرق، لأن الذي أرسل نبيه وكتابه قال (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وقال (إن الله يُدافع عن الذين آمنوا)، وسآتي أنا العبد الفقير الذليل بعد كل هذه القرون العديدة وأهدَّ الدين ببوست على صفحتي الشخصية بموقع الفيسبوك، عن شخصية جدلية كانت ومازالت محل بحث ودراسة واختلاف الآراء فيها!
وحده المسلم أكثر من أي مؤمن بدين آخر هو المقتنع بوجود ما يسمى (أعداء الدين) وهم أولئك الأشخاص الذين يسعون لهدم الدين وتقويض أركانه، وأصحاب تلك النظرية يسرعون إليها وإلى ترديد مقولتها في حالاتٍ مُعينه، كأن -مثلًا- يحاول شخصا أن يستفسر أو يسأل سؤالًا غير معتاد؛ فيأتيه الجواب بأن سؤاله مثار بحث لأعداء الدين ولا يجوز سؤاله حتى لا يفتح الباب على مصراعيه لدخولهم إليه منه!
(3)
والحقيقة أن تعريف أعداء الدين -ذلك الاسم الهلامي- لا يوجد له أصل في الواقع، هي خرافة رددوها حتى انتقلت من عالم الأوهام إلى عالم الحضور والحقائق، وعلى الرغم من ذلك فإن المسميات متعددة وأعداء الدين (واحد)، هناك من يعتبرهم المسيحيين، مع إن جهود الأب (جورج شحاته قنواتي) في تحقيق التراث العربي لا يجوز إنكارها، وهناك من يعتقد أنهم الشيعة، مع إن هناك محاولات عديدة للتقريب بين المذاهب، وبعضهم يعتقد إن المستشرقين هم (أعداء الدين) مع إنه لولا (ماسينيون وجوزيف سكاتولين) ما وصلتنا أعمال (الحلاج وابن الفارض)، وبعضهم قال لي في مَعرض كلامه إن الإسرائليين هم أعداء الدين مع إنه عداء (سياسي وليس دينيا).
(4)
والمؤمن بنظرية أعداء الدين هو أكثر شخص إيمانه مشوب بالقلق ولم يصل بإيمانه إلى مرحلة الرسوخ الكامل في الاعتقاد، ذلك أن أعداء الدين أسطورة أو وهم أو خرافة، يتم ترديدها لإيهام السائل بخطورة ما بصدد البحث عنه أو معرفته، وحيلة يتم استخدامها لتشتيت الذهن بعيدًا عن الموضوع المُراد مناقشته وإلجام العقل بلجام الخوف من التفكير والخروج عن الإطار والخط المرسوم بعناية من السابقين لا يجوز أن تحيد عنه قيد أنملة وإلا كفروك يا صديقي لأنك تتبع دينًا جديدًا!
(5)
والجميل أن ذلك الشخص لو كان مؤمنا بأي دين آخر أو نظرية وضعية أو مذهب فلسفي، فسيكون أكثر إيمانًا به وإقتناعًا من الدين ذاته، وأعتقد –وبعضُ الاعتقاد إثم– أن وهم أعداء الدين وأسطورتها مُرتبطة بالبعد عن حقيقة الدين نفسه وجوهره، لأن أي طرح نقدي أو فكرة غير معتادة لا يتم الإجابة عليها إجابة منطقية تُشفي غليل السائل وتُرح باله وتُطمن قلبه، بل يتم رفضها مخافة ذلك الوهم -(أعداء الدين)- مع أن الدين والكتاب والله يُحرضونا جميعا على التفكير والسؤال والتدبر والتأمل، ولكن كما قال سبحانه (أكثر الناس لا يعلمون) وفي موضع آخر (أكثرهم لا يعقلون).