أسماء عز الدين تكتب: ثرثرة بلا داعٍ

كالكثيرين، داهمتنى فكرة كتابة مذكراتى في طفولتى مرات متعددة، وفي كل مرة كنت أتجاوب معها، فبمجرد أن تطفو الفكرة فى ذهنى، أنكش كالمجنون في أركان البيت عن قلم وكشكول يرقى لكتابة كل ما يجول بداخلى، يرقى لأن أدون فيه كل اللحظات الفارقة معى، ومن المؤكد أن أنها ستؤثر في حياة الأمة وسيتداولها البشر على نطاق واسع.

هكذا كنت أظن – كنت حمقاء للغاية- أليس كذلك؟
المهمة كانت صعبة للغاية أكثر مما تخيلت، الصعوبة الأولى تمثلت في إيجاد ورقة وقلم، فلم تكن تراودنى فكرة كتابة \”مذكراتى\” إلا فى الإجازة، حيث أتخلص خلالها من كل ما يربطنى بالدراسة من قريب أو بعيد، والصعوبة الأكبر أو دعنا نسميها –الورطة- أننى لم أجد ما أكتبه، هل ستكون مذكراتى فارغة، هل ستظل أوراق الكشكول بيضاء كما هى؟
فقط ما كنت أكتبه هو \”أننى استيقظت من النوم وتناولت وجبة الإفطار.. أرسلتنى أمى لمشوار لم أكن أريد أن أذهب إليه، فرفضت، \”فقامت بالواجب\”، فذهبت غصب واقتدار.

تشاجرت مع أختى \”قلت لها وقالت لى\” فقررنا أن نتخاصم وكم هى شريرة لا تحنو عليّ.. لن أكلمها ثانية.

الليل يحل.. انتظر المسلسل العربي في الثامنة مساءًا على القناة الأولى.

الآن أذهب للنوم، وفي اليوم التالى أعيد الكرة \”استيقظت من النوم وتناولت وجبة الإفطار\”

شيء ملل ورتيب حقًا. لا بل مزعج، أحيانًا كانت تمر أيام لا أجد ما أكتبه، حتى تلك المواقف التافهة غير استيقاظى وإفطارى، لم تكن تحدث أحيانًا، فماذا كان عليّ فعله؟!

بالتأكيد.. اكتفى بما كتبته في الصفحات الأولى من الكشكول وأقرر أننى لن أكتب فيه حرفًا بعد اليوم -كنت حمقاء للغاية- أليس كذلك؟
ومع الوقت، تحديدًا في مرحلة الثانوية.. تلك الفترة التى أعشقها من أعمق أعماق القلب، تأكدت فعلًا أننى -كنت حمقاء للغاية- وأن كتابة المذكرات شيء أحمق هو الآخر، ولن أقبل عليها أبدًا مهما بلغت في حياتى.

صحيح أن حياتى أصبحت أكثر ثراءًا من طفولتى، لقد كبرت وذهبت للجامعة تاركة قريتى الصغيرة فى أحضان الدلتا إلى بنت المعز القاهرة، عشت بمفردى وواجهتنى مشكلات توجب عليّ مواجهتها، علمتنى الغربة بعض الأشياء، تعرفت على أشكال وألوان من البشر، اكتسبت خبرة حتى الآن لا بأس بها وستزداد مع الزمن، وبالتأكيد سأجد من بين كل هذا ما أملأ به دفتر واثنين وربما ثلاثة وأكثر؛ لكننى في النهاية فتاة عادية للغاية، لذا لن اكتبها، ولن أكتبها أيضًا حتى لو أصبحت غير عادية.. لو صرت متميزة.. إنسانة مهمة ومرموقة في المجتمع، ولدي أسرار ومعلومات مخابراتية وحربية ووثائق لا تقل في أهميتها عن وثائق ويكليكس.

لن أكتبها ليقينى بأنه مهما بلغت درجة صدق صاحبها، فلن يخبرنا بكل شيء في مذكراته، لابد أنه سيمحو شيئا، ربما يكون هو الأهم في حياته كلها، إذًا فهي منقوصة كاذبة كأشياء كثيرة حولنا، ولا فائدة منها.
لذا كان قرارى بأننى لن أكتبها، وفي الوقت ذاته لا يمكننى ألا أكتب، فالكتابة في مجملها شيء مريح جدًا، أجد في الكلمات وصياغتها لذة تشبعنى، تعيننى على الحياة، على البقاء كشخص قادر على البوح والتعبير، وإخراج ما في القلب على هيئة سطور لتريحه.

لذا، قررت أن أكتب كلمات متقطعة متشرذمة غير مفهومة أو مفهومة، لا معنى لها، وقد تكون ذات جدوى.

سأدون مخاوفى ولحظات ارتباكى وانتعاشي، وسأكتب أمورا قد لا تهمكم جميعًا ولا مبرر لكتابتها، لكنها ستعني لى الكثير، سأكتب \”ثرثرة بلا داعٍ\” ولن أكتب \”مذكراتى\”، فأنا لا أريد أن أكون حمقاء للغاية!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top