علياء الجداوي تكتب: هناك.. وراء نور الشمس

نستطيع أن نقول إنها مؤسسة حضارة، بل حضارات، دون اللجوءِ لأي إحصاءات أو غيره لنثبِّت ذلك، لأنه رُبّما أو مِنْ المؤكد أنه حتى الإحصاءات لن تنصفها أو حتى تقترب من الحقيقةِ التي نتجاهلها عن قصدٍ وتعمدٍ.
\”المرأة\” في مجتمع يعرف القشور عمَّا تحب وتحتاج وعن حقوقٍ ربما أخفاها الزمن وراء الشمس، حتى لا تعرف أبدًا مَن هي وماذا تريد،
لتسيقظ كل صباح على ضوء الشمس وهي حقا تجهل أن وراء ذلك الضوء شيئا ما تحتاجه وبشدة أخفته عنها الظلمة والوحشية التي تحيط بها من كل جانب، ربما لأنها كانت مُقنعة كفاية لحد لا يمكن للشك أن يكون له مكانا في وجودِها، أو ربما لأن القوة المترسخة هنا وهناك أقوى بكثير من يديها الزجاجية الرقيقة التي تعوّدت أن ترى الجمال من خلالهما في كل شيء.
تلك اليدين وإن وضِعَتا على جرح، كان ذلك كفيلا بالشفاء من فرط الحنان والإحساس، إحساسٌ هو مصدر قوة للكفاح والنجاح، وسلاح قوي في وجه من أرادَت – إذا لزم الأمر.
حقا لقد تم حجب الحقيقة عن تلك- المؤسس الفعّال- لما أسميناه ونسميه حضارةً وتقدما، وإلا كيف نرى كل يوم ذاك التمادي والتعدي السافر في حقها دون أن يتحرك لها جفن، هل لجهلها حقا بما يجبُ أن تحصل عليه وتتمتع به؟

أم أنها من فرط التعب والاستهلاك ما عادت تقوى على الحراك؟
أم أنها تصرُخ كل يوم ألف صرخة في أعماقها ممزقة ما تبقى داخلها من تمرد وعناد، لتحارب من أجل البقاء وسط ما تراه من ظلم مجحف وعادات قاتلة تأخذ منها ومن روحها كل يوم؟ فتسير تاركة جزءا منها في كل طريق تسلُكه.

لعل منصف يحنو عليها ويلتقط تلك الأجزاء المضيئةَ ويقدِمُها لها كجزء بسيط مما فَقَدته وتَفقِده كل يوم!

ذلك المنصف يمكن أن يكون قانونا، سلوكا، التزاما، ثقافة، حرية، فعلا حقيقيا لأجل المجتمع ككل، لكن المنصفَ الأكبر بين كل ذلك وذاك هو المرأة نفسها، يجب أن تكون الحرية مندفعة من أعماقها، والإنصاف شيء مترسخ داخلها.

يجب أن تعرف قدرها جيدا وتحارب بإستماتة لأجله، وألّا تفرط أبدا فيما تستحق وتؤمن، وأن تحصن نفسها جيدا بالثقافة والمعرفة في مضمار التقدم والبناء.
إنكارُها لذاتِها وما تقوم به هو إنكار للمجتمع وما يقدمه، فالمرأة بجانب مشاركتها في صنع إنجاز حقيقي للبشرية هي باليد الأخرى تُنشئ وتُربي جيلا سيحمل المستقبل على عاتِقه، وإذا لم تكن مؤهلة بشكل كافٍ لكل ذلك، فأبشركم جميعا بمستقبل بلا هوية، بمستقبل منهار تماما، لا يحمل قيما أو مبادئ أو أي شيء يمكن أن نعتمد عليه في بناء مستقبل أفضل للبشرية.

يمكنها أن تقدم الحب والعطاء والمعرفة والإنسانية. وأكثر إن أردتُم!

لكنها يمكن أيضا أن تأخذ كل ذلك في لحظة تشعر فيها بالاغتصابِ لكل ما تملك من حقوق، حقوق مَحتها عادات وثقافات لا نعرف من أين أتت سوى أنها ميراث يتحكم بِنَا كالدُمى، على الرغم مما وصلنا إليه اليوم من تقدم مذهل في كل شيء تقريبا، ولكن يبقى الجزء المتعلق بعاداتِنا وثقافاتنا، فهو كالطيف الأسود يلاحقنا أيْنَما نذهب، أو كالأخطبوط الذي طوقنا
بتلابيبه من كل جانب، فما عُدنا نعرف من نحن أو ماذا نريد!

قضايا المرأة في عالمنا كثيرة ومتشعبة، أكثر ما يُدمي القلب فيها هي القسوة والتجرد الحقيقي من الإنسانية، والأسباب بالتالي أكثر تعقيدا ومماطلة، ومع ذلك فإنه يمكننا الإشارة إلى -فقط- اثنين من أكثر الأسباب شيوعا بين مختلفِ الثقافات:

الأخطاء والعثرات جزء مهم لتكوين شيء قوي وثابت بداخلها، لذا فلا يجب أن نبالغ في حجم المخاطر من حولها، فلندع تلك الصغيرة تلعب وتلهو!

ولا تخافوا إن سقطت يوما، فتلك السقطة، وإن تَرَكت أثرا، هي بالتأكيد ستظل علامة تقويها وتُذكرها دائما كيف تسير دون أن تسقط بتلك الطريقة، ومع ذلك، فإن السقوط والتعثر أمر طبيعي، ولن ينتهي بمجرد أننا لا نريد، فهو -حتى وإن لم نتقبل ذلك- وسيلة نضج بشكل أو بآخر.

تقييمها في حد ذاته من نواح عدة يضع عليها أعباء وضغوطات تتخطى الحدود الإنسانية، ووضعها في إطار معين سواء من النواحي الدراسية أو الجمالية أو الصحية أو الاجتماعية أو أو أو… لهو أمر غير عادل، بل هو سلب حقيقي لإرادتها، حتى وإن لم تكن تعي ذلك! خصوصا إن كان الأمر -حقا- خارجا عن حدود تصرُفِها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top