ولأن الفشل كان عنوان المرحلة، فقد فشل المحيطون بسيادة الرئيس في إخراج مسرحية \”الرئيس المتواضع\” الرخيصة بامتياز يحسدون عليه، أملًا في إقناع الشعب البائس بضرورة بقاء الرئيس في الحكم، بعد كارثة قطار العياط وغرق المئات في عبارة السلام 98، وبعد فشل ممتاز القط وسمير رجب في تحسين صورة سيادته، تلك التي باتت قاتمة إلى حد مزعج
في حملة مبارك الرئاسية المصطنعة، وفي طريقه إلى خيمة اللقاء الجماهيري في مزرعة المغربي بالنوبارية في 22 أغسطس 2005، توقف الرئيس حسني مبارك لدقائق أمام كوخ صغير على رأس حقل لاحتساء كوب من الشاي مع أسرة المزارع كمال المراغي وزوجته سناء، وأكد المزارع البسيط على شاشة التليفزيون المصري سعادته بلقاء مبارك للمرة الثانية، حيث حظي بلقائه في المرة الأولي مثلما قال عندما سلمه الرئيس عقد خمسة أفدنة من الأرض المستصلحة منذ 15 عاما، وقامت أسرة كمال بإعداد الشاي لمبارك على \”كانون\” صغير (موقد حجري بدائي الصنع)، وراح الرئيس يتناوله وهو يتجاذب أطراف الحديث مع المزارع، وتوجه مبارك للشاب كمال بأسئلة عن كيفية تسويق المحاصيل، وبعد أن أجاب المزارع على أسئلة الرئيس، وعده مبارك بأن الأحوال ستكون أفضل عندما تدخل الشركات الكبيرة في عملية النقل والتسويق، ووعد بتقديم مزيد من القروض لشباب الخريجين، وخرج مبارك محملا بدعوات الفلاحين البسطاء بالنجاح في سباق الانتخابات من واقع تجربتهم في الأرض الجديدة.
في اليوم التالي عندما ذهبت الصحافة لإجراء مقابلة مع المزارع البسيط الذى أستقبل مبارك في \”عشته\” البسيطة، لم يجدوا ولا \”العشة\” ولا \”الكانون\”، ليكتشفوا أن المزارع كمال المراغي ليس بفلاح، وإنما هو أمين شرطة تم تجهيزه وتلقينه من قبل الحملة الانتخابية لتمثيل دوره فى المسرحية الهزلية.
ولما صنعت الزيارة الضجة المطلوبة في ذلك الوقت، فقرر المحيطون بسيادته تنفيذ الجزء الثاني من تلك المسرحية الهزلية بعد مرور خمس سنوات من المسرحية الأولى، معتمدين على أن \”آفة حارتنا النسيان\”، وفي زيارة حسنى مبارك لمحافظة سوهاج في 3 نوفمبر 2010 لافتتاح عدد من المشروعات الكبرى، ومتابعة تنفيذ برنامجه الانتخابي، تفقد إحدى الوحدات السكنية بقرية الأحايوة إحدى قرى الظهير الصحراوي التابعة لمركز أخميم بمحافظة سوهاج، ودعاه صاحب الوحدة السكنية لتناول كوب شاي صعيدي على غرار ما حدث في جولته الانتخابية في 2005، ففوجئ بالرئيس يقول له: \”لا مانع بشرط أن يكون شاي صعيدي تقيل من بتوع زمان\”، وبالفعل دخل الرئيس إلى الوحدة وجلس مع صاحبها وسأله عن حياته، وانضمت إليه زوجته التي جاءت بكوب الشاي، وأثناء اللقاء كان المواطن يشرح لمبارك مدى سهولة الوصول لمدينة جرجا على الناحية الأخرى من شط النيل بفضل مجهودات الحكومة، عن طريق \”عبارة\” تقل المواطنين للضفة الأخرى للنيل، فسأله مبارك مازحًا \”عبارة؟ عبارة من اللي بيغرقوا دوول؟\” فضحك الحضور على دعابة مبارك ثقيلة الظل، بينما تلفت مبارك حوله ليتأكد أن الجميع يضحك، متناسيًا أنه يسخر من آلام المصريين الذين فقدوا ذويهم في العبارات \”اللي بتغرق\” بفضل نظامه.
في 2011 أنتفض الشعب على نظام مبارك ليخلعوه من على عرشه، وبعد خمس سنوات كاملة من ثورة يناير، وفي سبتمبر 2016، كانت أجواء بداية الألفية الثانية تتصدر المشهد بقتامة مرة أخرى، ففي 7 سبتمبر خرج القطار طائشًا عن مساره عند مدينة العياط مخلفًا خلفه عددًا لا بأس به من الضحايا والمصابين، وفي صباح 21 سبتمبر غرقت مركب تحمل مهاجرين غير شرعيين بمنطقة شمال شرق بوغاز رشيد على بعد 12 كم تقريبًا من البوغاز وسواحل كفر الشيخ، على متنها نحو 600 فردًا غرق معظمهم تقريبًا، ولم تفلح محاولات ممتاز القط، الذي عاد مرة أخرى للظهور من خلال برنامجه \”ساعة مع ممتاز\” على فضائية العاصمة، لتجميل صورة النظام، وفشل سمير رجب الذي عاد مرة أخرى ليكتب في المساء لتلطيف وقع المصيبة على أهالي الضحايا، ولم يتبق إلا أن يعيد الرئيس تمثيل مسرحية \”الرئيس المتواضع\” مرة أخرى، لإلهائه عن الكوارث المتلاحقة.
ولأن التاريخ يكرر نفسه ببراعة، ففي صباح 25 سبتمبر 2016 فاجأ السيسي أسرة مصرية بسيطة أثناء افتتاحه لمشروع غيط العنب بمدينة الإسكندرية ليتناول الفطار معهم، دون إعداد مسبق بالطبع!
ولأن الفشل عنوان المرحلة، فقد فشل المحيطون بسيادة الرئيس في إخراج مسرحية \”الرئيس المتواضع\” الرخيصة بامتياز يحسدون عليه، أملًا في إقناع الشعب البائس بضرورة بقاء الرئيس في الحكم، ولأن المسئولين الآن يعتبرون من الهواة مقارنة بمخضرمي النظام السابق، فأصروا على وضع \”التاتش بتاعهم\” بدلًا من الالتزام بالنص السيء الموضوع مسبقًا، وبدلًا من أن يكتفي الرئيس بشرب كوب من الشاي مع أسرة أمين شرطة كالمعتاد، أصروا على إظهار مدى الرفاهية التي يعيشها الفقراء والبسطاء في عهد سيادته، وظهرت مائدة إفطار الأسرة المتوسطة عامرة بما لذ وطاب، واحتوت المائدة \”البسيطة\”، بشكل تقديري، على جبنة رومي وجبنة بيضاء، وبيض مقلي بالطماطم \”شكشوكة\”، وبيض مسلوق، و3 أطباق من الفول البلدي المدمس، وطعمية بالسمسم، وحلاوة طحينية، وباذنجان مقلي، وخيار وطماطم وفلفل ومخلل وجرجير وزيتون أخضر وزيتون كالاماتا (سعر الكيلو 140 جنيه)، والأهم من ذلك عدد من أرغفة الخبز الفاخر (سعر الرغيف ما بين 75 قرشًا إلى جنيه واحد بحسب المنطقة)، وعدد من زجاجات المياه المعدنية \”صافي\” من انتاج الجيش المصري، لإقناع المواطن متوسط الذكاء أن الزيارة كانت مفاجئة وأن الإفطار لم يكن مرتبًا من ذي قبل، ولإقناع الرأي العام أن الأسرة المصرية متوسطة الحال تتناول طعام إفطارها اليومي بما يتجاوز الستين جنيهًا على أفضل تقدير، بما يعني نحو 1800 جنيه شهريًا فقط لوجبة الإفطار.
تصدق؟ أنا أقتنعت.