في سبعينيات القرن العشرين كان باب العالمية قد دُفع على مصراعيه بدون سابق إنذار أمام صناع السينما الصينية، خاصة القابعين منهم في هونج كونج، وأتيحت لهم الفرصة للانتشار في شتى أرجاء المعمورة ممتطين صهوة جواد يدعى \”أفلام الفنون القتالية\”، التي أثارت شغف الملايين وضربت رؤوسهم بجنون غير مسبوق، وصار لها قدر غير مسبوق من الشعبية التي جعلتها تؤثر في الثقافة العامة لمختلف الأمم، فانتشار ظاهرة أندية فنون القتال وعاصفة أفلام القتال التي أُنتجت في هوليوود ومختلف أنحاء العالم، كلها كانت تداعيات واضحة للمد الذي لم تتوقف آثاره الثقافية إلى اليوم
بطل مغلوب على أمره لديه أسباب -تختلف من فيلم لآخر- تدفعه للحصول على القوة، يذهب لمعلم حكيم ملم ببواطن الدنيا، واكتنز حكمة العالم كلها داخل رأسه، ليعلمه فنون القتال ويصير مقاتلًا قويًا يستطيع أن يصل إلى غرضه المنشود.
تقريبًا هذه هي الحبكة المشتركة بين كل أفلام القتال -على الأقل التي طالعتها منذ أن كنت طفلًا وحتى الآن- والتي تختلف تفصيلاتها من فيلم لآخر، وزوائدها التي تعطيها نكهة تمتع المشاهد أثناء الساعات التي يحرقها من عمره في مشاهدة هذا النوع من الأفلام.
قصة الصعود من القاع إلى القمة التي تتوج في النهاية -عادة- بنصر حاسم وقاطع ينتصر فيه البطل على أعدائه ويحقق هدفه بنسبة 100%.. قصة تكررت في أذهان الملايين أكثر من تكرارها في أفلام \”بروس لي\”، وصارت منهج تفكير لعديد من بؤساء هذا العالم.
يخطفنا الخيال في ذروة نشوته ويوهمنا بأننا نسخ من هؤلاء الأبطال الذين يملؤون الشاشات بصراخهم ويحطمون كل عائق يقف أمامهم، لكن الواقع يباغتنا بصفعاته المتتالية اللامتناهية التي تعيدنا إلى سماء عالمنا الملبدة بالسواد، ويرينا حقيقتنا وحقيقة ما نعيشه وما يمكن أن تؤول إليه أمورنا.
أنت لن تحطم ولن تضرب ولن تنتصر انتصارًا ساحقا، بل ستتعب وتُدهس وتتساوى بالأرض وتبذل من المجهود الكثير وتحرق أعصابك ومئات السعرات الحرارية وبلايين الخلايا العصبية، لكن في النهاية لا ضامن لفوزك ولا انتصار إلا وتعقبه صدمة بعقبة أكبر مما قد تجاوزناه.
لن تقضي على خصومك بالضربة القاضية، ولن تزأر كالمنتصرين في النهاية، فالحياة جولات، لو انتصرت في إحداها لا تغمض عينك، فقد تأتي الجولة التالية -بغتة- مكللة بالهزيمة، أسرع مما تتوقع.
المسألة ليست جبلا نصعد من سفحه إلى قمته، بل مباراة ملاكمة لا ينتصر فيها سوى الحياة، ولا يهزم فيها من استمتع بلحظات وشغف التجربة.
يا عزيزي.. حياتك ليست هي \”عودة التنين المنتقم\”، لأنك لست تنينا ولست منتقما، وعودتك لا يهتم بها غيرك، ولن تفيد أحدًا سواك.