أحمد السيد الكيال يكتب: لا تنتظر يا صديقي

على الدكة الصخرية التي تفصل أسد (كوبري قصر النيل) عن ذلك (الكازينو) العتيق، جلست بجوار صديقي الدائم، ذلك الصديق الذي لم يفارقني منذ أيام الطفولة، عاش معي فترة المراهقة بكل تقلباتها، وفي الجامعة تناقشنا سويًا في أحلام ما قبل النضج، كان دوما محلقًا معي، خضنا غمار الحياة سويًا، وتعرضنا للإنجازات والإخفاقات.
كان صامتًا، يحمل على كتفيه همومًا، تخطت هموم العالم في أوقات الحروب العظمي، إبتسامته الدائمة إختفت مقابل وجه بائس، وصار من كان ينشر التفاؤل والأحلام، مصدرًا لكآبك تزيد عن كآبة صيف لم يمر بي طوال حياتي.
حاولت أن أستعيد معه بعض الذكريات المضحكة، رفض التجاوب، أخبره عن بعض الأشخاص المحببين لنا، رد: \”لا أريد أن أسمع شيئًا\”.

وضعت يدًا على كتفه وقلت: ماذا بعد؟
قال: أحبها.
دفعته برفق: أفق يا صديقي، لم تخبرني أبدًا أن الحب سبب للتعاسة.

تنهد وهو يرفع رأسه للسماء، ثم قال: الحيرة سبب وجيه للتعاسة، والقمع والظلم والخذلان.
إلتفت إليه: وهل تصدر تلك الأشياء من حبيب؟! الموضوع معقد.. أرجوك يا صديقي، لا تبرر ما لا مبرر له.
نظر إلى النيل وأشعل سيجارة، ثم قال: يفرض عليّ الصمت قمعًا وقهرًا، فالبعد ممنوع فأنا كذلك أتخلى ولا أتمسك، والغزل ممنوع فأنا أشتت، والخوف من الأشياء المرعبة مبالغة وسوء تقدير، وفي النهاية أصبحت أنا المسؤل عن كل شيء، أنا فقط! وهي البريئة من كل ذنب، أنا قاتل القمر، وعقوبتي أن أبقى معلقًا بين الجنة والنار، أي تصرف سأفعله (جريمة نكراء)، أحيانًا أتذكر عندما كانت الأدوار معكوسة، فأقول لنفسي: هل كنت ساذجًا؟ أم أني ساذج عندما أفكر في الحب الآن؟ هل من الإنصاف أن أضع الورقة في كتاب ذكريات قديم على رف النزوات؟ هل أقاوم تلك المشاعر المشتعلة بداخلي؟ وأقول لنفسي إن المشاعر لا تذهب سدي في إتجاه من يمنع نفسه من إستحقاق تلك المشاعر، إن الحنين لمن لا يبالي إهدار للصدق، إن التفكير في من لا ينشغل باله بك إهدار لحق نفسك عليك.
بنبرة هادئة: وماذا كنت تنوي يا صديقي؟
رفع رأسه في ثقة: أفعل كما قال درويش \”أنتظرها\”، وأبقي الباب مفتوحا حتى تأتي، قبل الموعد أو بعده، سأنتظرها.

– وإن كان قرارك هكذا، فلماذا التعاسة إذن؟
أشعل سيجارة أخرى، وسحب نفسنًا عميقا: كلما تصالحت مع نفسي على فكرة الانتظار، تقوم هي بمحاربتها، تدفع بابي بقوة لتغلقه في وجهها هي، وأنا خلفه أقاوم وأخشى أن أستسلم لمحاولاتها زرع اللامبالاة بداخلي، تحاول باستماتة أن تقتل مشاعر لم تولد بداخلي لأحد من قبل، تتخلص يومًا بعد الآخر من كل جميل فيها، تقتل روحًا بداخلها بلا رحمة، وكل طعنة تطعن نفسها بها، أشعر بتلك الطعنة تقتلني، ثم بعد كل ذلك أتحمل أنا وحدي وزر الذبح.

حسنًا يا صديقي، لقد فهمت كل شيء.. ما العمل؟ أرجوك أنا لا أثق بغيرك.
اعتدلت في جلستي، ونظرت إلى عينيه: لن تستطيع أن تجبر أحدًا أن يحب نفسه حتى يصدق، ولن تستطيع أن تكمل حياتك هكذا، فأنت تقتل نفسك بطريقة غاية في الوحشية، فالانتحار أو الموت بمرض عضال خلال سنة في غرف أحد مستشفيات الحكومة، أكثر رحمة مما تصنعه في نفسك.

أتعرف ما هو الحل الحقيقي؟

أن تمضي في حياتك ولا تنتظر أحدًا.

– ولكني أريد أن أنتظرها.
وقفت وساعدته على النهوض، ثم قلت: هي لا تريدك أن تنتظرها، إن كنت لها ستأتي، وإن لم تكن فلن تأتي ولن يغير شيئًا -في المسألة- إنتظارك.

يا صديقي لا تنتظر أحدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top