دينا مجدي العزباوي تكتب: قطع خيوط الماريونت

دائما ما كنت اتابع عروض \”الليله الكبيرة\” وأنبهر بها وبعرائس الماريونت، تلك العرائس المربوطة بعدد من الخيوط عن طريق شخص ما يحركها كما يشاء على حسب فكرة معينة برأسه، ولكن في النهاية كنت انظر إليها على أنها مجرد عروسة، وما كان يثير فضولى حقا هو ذلك الشخص الذى يحرك الماريونت، فهو صاحب الفكرة التى تصل إلينا عن طريق الماريونت وصاحب التخيل، فهو من جعل من أفكاره أشياء وعروضا ملموسة أمام أعيننا.

أما الماريونت فهى تنفذ فقط وتتحرك على حسب اتجاه الخيط.

نحن حقا الآن نشبه عرائس الماريونت، فكل منا مربوط بمجموعة من الخيوط التى تتحرك وفق إرادتها أو بالأحرى وفق إرادة من يحركها.

أنت فى بداية حياتك مربوط بخيط يحركه الأهل بحجة صغر سنك، وهم يحركونه وفق ما حفظوه من عادات موروثة وأفكار تقليدية، ويبثون فيك كل تلك العادات والتى لا نعرف غالبا من أين أتت، وتكون الإجابة النموذجية لكل تساؤلاتك:

\”هى كده\”، أو \”من غير ليه\”!

وهذا الخيط بالتحديد يتم تحريكه أيضا بدافع الحب والخوف عليك، فهم يريدون منك على سبيل المثال أن تكون متفوقا فى دراستك التى لا يهم أح مضمونها، ولكن ما يهم هو أن ينتهى بك المطاف فى إحدى كليات القمة، والتى قد يشعر الأهل بعد وصولك إليها أنهم قد أتموا مهمتهم في الحياة، وأنهم بذلك مؤهلون لدخول الجنة، فتجد نفسك تتحرك وفق خطة موضوعة لك، لا تعرف من بالتحديد أول من وضعها، ولكنك تلتزم بها وتقيد نفسك أكثر بذلك الخيط.

ومع الوقت وببداية تشكيل وعيك، تجد نفسك مربوطا بخيط جديد وهو الناس وكلامهم وما قد يشغلهم وما سيقولونه عنك لو فعلت كذا، وبماذا سينتقدونك، ومن يحقد عليك ومن يلاحقك؟

عندما ترتدى هذا الملبس، هل سيعجب الناس؟

هل هو مبهر؟

كيف سأبدو فى نظرهم؟

هل ما أفعله يناسب الذوق العام؟

هل أنا مثلهم؟

وبهذا الخيط تكون قد انضممت فعليا للقطيع دون دراية منك، وبعد تقيدك بهذا الخيط ستجد الخيط الثالث بدوره يلتف حولك، وهو الخيط الذى يحركه الإعلام، فتجد نفسك فى دوامة التلقين حتى إنك قد لا تدرى إنك غيرت محطة تليفزيونية وانتقلت إلى أخرى، لأن ما يقال هو نفس الشئ دون جديد.. تستمع فقط إلى ما تريد مجموعة معينة أن تسمعه، وترى كل الأشياء من وجهة نظر الحكومة التى تبذل قصارى جهدها للاهتمام بمحدودى الدخل! وقد ينسيك ما تشاهد ويُبث فى عقلك أنك أنت نفسك من محدودى الدخل! وكأنهم يتكلمون عن كائنات تعيش على كوكب آخر، يشعر سكانه بتحسن ملحوظ فى شتى المجالات!

ذلك الخيط بالتحديد يعد من أسوأ ما يكون، فإذا كانت الخيوط السابقه قد تحركك بدافع من الحب والخوف عليك، فهذا الخيط تحديدا يحركك فقط بدافع المصالح الشخصية لمجموعة معينة، ولصالح أغراض أخرى من جهة الحكومة وذوى السلطة.

وتتوالى عليك الخيوط ويزداد التقييد، فهذا خيط المال وما يصنعه من سحر قد يوثر فى كل ما سبق، وذاك خيط العمل الذى قد لا تطيقه ولكنك قد تهدر عمرك فيه لترضي الخيوط الأخرى.

وهكذا بمرور الوقت تزداد خيوطك وتزداد قيودك، وتتحرك وفق خطط غيرك، وتقول ما يريده غيرك، وتوهم نفسك بأن هذا ما تريده.. قد ترخي لك الخيوط أحيانا ليشعروك أنك تتحرك وفق إرادتك، وتشد فى أوقات أخرى قد تنسى فيها نفسك وتحاول أن تبتعد.

لا سبيل لك للفرار. حلك الوحيد هو أن تقطع كل تلك الخيوط وأن تنأى بنفسك بعيدا عن كل ما يقيد حريتك النابعة من أعماق قلبك، والتى خلقها الله فيك بالفطرة.

دع نفسك تفكر وتغوص فى أعماق الفكر، وتنطلق فى سماء الخيال دون أن تخاف من أن يكون خيطك قصيرا.

ابدأ، فالسبب الذى خلقك الله من أجله هو أن تبدع وتفعل ما هو غير تقليدى ومحسوب.

فقط انطلق لعالمك وكن على ثقة أن هناك مكانا ما خلق من أجلك، وهناك إنجاز ما لن يفعله غيرك.

انطلق، ولكن قبل أن تنطلق لا تنس أن تقطع كل خيوط الماريونت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top