\”الأموات يمارسون سلطتهم على الأحياء\”، تلك الجملة التى استوقفتنى عند قراءتى لها، والتى يمكن من خلالها وصف أو تفسير الكثير مما نمر به. فكيف لميت أن يمارس سلطته على أحياء يرزقون؟
ولكن لو تأملت معى قليلا، ستجد أن هناك الكثير والكثير من الأموات الذين مارس بعضهم ولازالوا يمارسون سلطتهم على أناس آخرين على قيد الحياة، ستجد هذا ينطبق على الكثير من المفكرين والسياسيين والزعماء الذين وافتهم المنية ورحلوا عن عالمنا، فهناك الأفكار التى رسخوها فى عقولنا من خلال كتاباتهم أو خطاباتهم، كما أن هناك العادات والتقاليد التى نتوارثها جيلا بعد آخر، وكان الأصل فيها أن شخصا ما قام بأمر فتبعه الناس بعد ذلك، حتى أصبحت عاداتنا التى يجب ألا تُخالف، رغم أن من بادر بها قد مات ربما من مئات السنين، لكن مع هذا نظل نحن أوفياء لتلك العادات وهذه التقاليد!
نفس الأمر ينطبق على الزعماء والحكام، فهناك على سبيل المثال المهاتما غاندى الذى يقدسه الكثيرون إلى يومنا هذا، والذى حُفرت كلماته فى قلوب وعقول الكثيرين ويعملون ببعض منها، وربما ينطبق الشئ نفسه على شخصية عبد الناصر تلك الشخصية الكاريزمية التى حكمت مصر لمدة تقارب 14 عاما، والتى أثرت على الكثير من المصريين سواء فى عهده أو بعد وفاته، والذى استمر لعشرات الأعوام من رحيله وحتى وقتنا هذا. حيث إنهم كانوا فى عصره ينظرون إليه على أنه الزعيم الملهم، وحتى الآن هناك البعض ينظرون إلى عبد الناصر على أنه صاحب الإنجازات الأعظم، ويصلون فى تمجيده إلى حد التقديس، وربما هذا ما دفع حاكمنا الحالى فى بداية توليه الحكم أن يوحي بأنه زعيم، وأنه خليفة عبد الناصر، وكان ذلك بمثابة الإشارة لمؤيديه، حيث انطلقوا يروجون لتلك المشابهة مع محاولة التقريب بينهما.
وكانت تلك المشابهة فى الواقع فى أمور ليست ذات أهمية، ولكنهم كانوا دائمي التأكيد على جانب الكاريزما الذى كانوا يعدونه أحد أهم الجوانب فى تلك المشابهة، حيث كانوا يروجون إلى أنه يتمتع بحب الناس ويلقى إعجابهم تماما كعبد الناصر فى أنه لم يكن يتمتع بتلك الشعبية الجارفة التى نالها عبد الناصر والتى استمرت لفترة كبيرة حتى بعد وفاته.
أما عن السيسى، فإنه فقد شعبيته التى لم تكن فى الواقع شعبية حقيقية ذات جذور، وإنما كانوا بعضا من الناس الملتفين حوله، حيث يرون فيه البطل الذى ساهم فى تخليصهم من الإخوان، لذا فسرعان ما بدأت هذه الشعبية الزائفة فى التلاشى، خاصة عندما لمس الجميع مدى اختلافه واختلاف سياساته عن تلك التى اتبعها عبد الناصر -اللهم إلا التنكيل بالمعارضين- وحتى فى هذا فقد اختلف عنه، بل وربما تفوق عليه وأصبح بهذا واضحا أمام الجميع أنه ليس البطل المنشود، ولا الزعيم الذى تمنوه، ولا حتى هو ناصر الذى قد ارتدت روحه مرة أخرى، ولكن فى جسد هذا الحاكم الجديد.
ورغم هذا الاختلاف إلا أن ناصر ظل يمارس سلطته على عقول الكثير من المصريين، رغم أن البعض بدأ فى الانقلاب عليه هو الآخر، وعلى هذه الأسطورة.