علا جاب الله تكتب: محدش بيعيش أحلام حد

\”بنتي هتحقق كل اللى مقدرتش أحققه\”.. هذه الجملة أسمعها كثيرًا من الأمهات، وأسأل نفسي مع كل مرة تطرق أذني هذه الكلمات، هل هذه هى التضحية؟

وهل التضحية أن يتخلى المرء عن أحلامه؟

وهل نعي معنى التضحية والأمومة بحق، أم أن المجتمع رسم لنا -مسبقًا- طريقا مشوه نسير فيه دون وعي، وأسماه: \”التضحية من أجل الآخرين\”؟

ومفهوم \”التضحية\” خاصة فى مصر والدول العربية، أمره عجيب غريب، فهو لا يحمل فى طياته إلا معنى الموت، وفي أفضل الأحوال التخلى عن كل ما تريد تحقيقه من أجل: \”إسعاد فلان.. دوس على قلبك عشان فلان.. شوف مصلحة فلان من خلالك\”.

وكثير من \”الكليشيهات\” البالية المرتبطة بمعنى التضحية هي في نظري مجرد \”هرتلة\” بالعربى!

ولكن، هذا كله كوم، و\”تضحية الأم\” كوم تانى، وهو فصل كامل في حياتها يبدأ منذ أن تلد رضيعها، حيث مفروض عليها وحدها دون غيرها أن تفني نفسها وتتفانى فى إسعاده حتى تبدو أمام المجتمع \”أما مثالية\”، بداية من السهر ليلًا -وحدها- لرعاية الرضيع، في الوقت الذي يكون فيه الزوج نائما \”لا يتحمل أي مسؤولية كأب\”، وانتهاءً بعدم وجود غضاضة لدى المجتمع في أن تترك الأم شغلها ومستقبلها فقط \”عشان خاطر العيال\”.
لقد أصبح مفهوم التضحية لدينا \”مطاطيا\”، ويغلب عليه الطابع الذكوري، فقد تربيت وأمثالي كُثر على أن التضحية تعنى:

\”إن إحنا ناكل، وماما متاكلش، إن ماما تسهر بالليل عشان بنذاكر، إن ماما ماتشتريش لنفسها فستان عشان إحنا نشترى تفاهات، إن ماما تسيب مستقبلها وشغلها عشان بتخدمنا\”.

للأسف، هذا هو مفهوم التضحية في كثير من دول العالم العربي، فالمجتمع رسم شخصية \”الأم المثالية\” لتبدو منكسرة ومغلوبة على أمرها، راضية، لا عاقلة وقادرة على إيجاد الحلول مع شريك حياتها.. هى وحدها المضحية.

لكني أرى أن هذا الدور -أكثر منه تضحية- تخاذل من شريك الحياة واستسلام من المرأة، وهو الأمر الذي يسبب خللا فى تربية الأولاد، وهو بالقطع كسر لنفس هذه الأم، أكثر منه تضحية فى سبيل الأبناء.

لا يوجد ما يمنع أن تسعدي أسرتك وعائلتك، وأن تضحى من أجلهم، ولكن كله فى حدود العقل والمنطق، وثقي أن نجاحاتك الشخصية التي تبدو صغيرة، ما هي إلا نجاحات كبيرة لأولادك، فأنت مثال يجب عليهم أن يحتذوا به أولًا قبل أي شئ آخر.

فالأم المثقفة والتي على درجة عالية من الوعى والإدراك، والقادرة على مواكبة العصر، أفضل ألف مرة من الأم التي شغلها الشاغل إيقاظك من النوم وغسل ملابسك، والأم التي لديها القدرة على مناقشتك وأنتِ فى سن المراهقة، وتعلم جيدًا ما يدور بعقلك، تكون قادرة على استيعاب أخطائك، هي أفضل من أم فاغرة الفم من هول المفاجأة من سلوكياتك وما يدور فى رأسك.. الأم التي تفتخرين بها أمام زملائك، والأم التي تعكس مثالا حيا للمرأة الناجحة، أفضل من الأم التي لا تتعدى نجاحاتها جدران البيت.
أنا لا أحاول وضع إطار \”للتضحيات\”، ولا أن أُسفِّه من تضحيات الغير، وكذلك لا أحجر على اختياراتك، ولكن حاولى أن ترفقي بنفسك، ولا تجعلى نظرة المجتمع ومفهومه السطحى الضيق عن \”التضحية\”، وإرضاء من حولك، يهدم أحلامك وأمانيك.

وتذكري: \”مفيش حد بيعيش أحلام حد\”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top