محمد صالح يكتب: حوكشة وحموسّة.. وفض رابعة

أنا كنت ضد فض رابعة، ومش لوحدي، كلنا ضد فض رابعة، ضد القتل والعنف والدم اللي بيهدر أرواح وأحلام ومصائر ناس مالهومش ذنب غير إنهم اتحشروا في صراع مالهومش فيه، واتضحك عليهم بشوية سُلطة، أو بشقة بسعر معقول، أو بقرشين كاش، أو بكتابين، أو ببقين حلوين، أو بشوية زيت وسكر، أو بفطار وسحور وكحك في العيد، أو بمزة محجبة مصونة من الأخوات، أو حتى بقرص ترامادول مجاني، كلنا ضد إن الناس دي تموت، إنما اللي حصل حوالين فض رابعة مش أقل بأي حال من الأحوال من عملية \”الفض\” نفسها.
يعني على سبيل المثال لا الحصر، القيادات الحلوة بتاعة \”عالقدس رايحين شهداء بالملايين\”، و\”إنت لا تمثل الأقباط يا تواضروس\”، و\”لن تتوقف عمليات سيناء ما لم يعود مرسي\”.. كلها حية ترزق موجودة أربعة وعشرين قيراط، وعيالها موجودين في قطر وتركيا، وفلوسها في سويسرا وإنجلترا ثمانية وأربعين قيراط.. اللي قتل بعضه وطحن في بعضه همه الغلابة.
حوكشة صاحب الفرن اللي ساب الفرن في بنها علشان يقف مع صديق عمره الإخواني، وسعيد الكهربائي من عين شمس اللي ابن خالته الإخواني حكى له على العاركة بتاعة رابعة اللي واقف فيها، وحموسّة سواق التوك توك اللي حسبها، فلقى إن رابعة حتطلع له في أسبوع اللي بيطلعه عالتوك توك في شهر، وزينات اللي جاية مع جوزها بدل ما تقعد في البيت لوحدها وأهي تسلية وفرجة، ورمضان البواب في عمارة الإخواني الكبير اللي صاحب العمارة خيّره بين إنه يرجع البلد، أو ينزل مع عيلته رابعة.. وكل الغلابة اللي كانوا مفهمينهم إن \”القضية\” هي \”الإسلام\”، وإن أخوك اللي واقف قدامك لابس إسود ده كافر وملحد، وعايز يدمر الإسلام، وإن أخوك اللي على الناحية التانية ده، اللي هو على فكرة طلعان دين أمه هو كمان، وساكن قدام حوكشة في بنها، وجنب سعيد الكهربائي في عين شمس، وقصاد حموسّة سواق التوك توك.. أخوك ده ما بقاش أخوك، أخوك ده عدو، لازم يا تقتله يا يقتلك، ما يغركش السلاح اللي معاه، الأخوة والقيادات محضرين لهم مفاجآت، ومرسي راجع، والملايكة حواليك أهم \” شايفهم.. شايفهم.. أهم أهم.. هناك!\” وكل الناس دي راكبة سفينة أسطورية \”هتطلع بينا على الجنة، والخمرة والحور العين\” والجنة أحسن من عيشتك الهباب دي مع الكفرة دول.
اللي حصل في رابعة مش جريمة فض، اللي حصل في رابعة جريمة تقسيم، مصر اتقسمت مش في ١٤ أغسطس.. لأ، مصر اتقسمت في السبعينيات، لما السادات ساب الوهابية تنخر في عضم المجتمع المصري، بعد سنين من الحرب معاها أيام عبد الناصر، هي دي الجذور.
اللي أنت شايفه النهاردة ده مجرد ثمار الوهابيين بيقطفوها، واللي حصل في رابعة ده هيحصل كمان وكمان وكمان، علشان الغلابة همه وقود التقسيم الاجتماعي ده، اللي هو كارف شويتين على تقسيم جغرافي، بس مش قوي (إنجازات الجماعة رأسياً خلال العشرين سنة اللي فاتت مذهلة ومبهرة، أديك شايف الدعاة الهاي لايف.. عمرو خالد وأخواته!
وشايف صاحبتك اللي كانت بتنزل معاك الجزيرة بالبكيني لما ربنا تاب عليها ولبست النقاب وبقت تيجي النادي علشان \”درس العلم\” بالعربية البي إم!).
نظام مبارك تعمد إنه يخليك تخاف على اللي عندك، وأنا كمان أخاف على اللي عندي، وبعدين حطّنا مع بعض كده في السجن رهاين بالحسنة اللي هوه بيديها لنا (حسنة البقاء حياً، الطفو على السطح قدر الإمكان)، والغلابة تطحن في بعض قدام عينينا من غير ما نقدر نفتح بقنا بكلمة، لا ده له ذنب، ولا ده له ذنب.
مافيش حاجة اسمها \”جيش\”، \”عسكر\”، \”داخلية، \”إخوان\”، \”سلفيين\”، \”حماس\”، \”الجهاد\”.. فيه حاجة اسمها ناس \”فوق\” تتدرج في البعد عن الدم والعنف والخطر، ولا يمسها الشر من قريب ولا من بعيد، وناس \”تحت\” في رابعة وفي غزة وفي سينا وفي كل حتة في العالم، همه دول اللي بيطحنوا في بعض على أرض المعركة، وبيتقتلوا قبل أي حد تاني، علشان الكبير اللي فوق يتاجر بروحهم وبدمهم وبمعاناتهم، وعلشان الكبير يساوم يشوف إيه يسوى كام، ننزل كده \”على أرض الواقع\” ونتمن الليلة.. \”.. ها!! إعادة الإعمار تتكلف كام يا برنس؟ لا لا لا يا حبيبي، ده أنا عندي لسة مجاري وكهربا ومواصلات، ما ينفعش الرقم اللي حضرتك بتتكلم عنه ده خالص، ده مؤتمر أصدقاء (غزة/العراق/ليبيا/مصر/أفغانستان/الصومال.. القايمة طويلة قوي!) وعدوني بثلاثين مليار، ولحد دلوقتي ماشفتش منهم غير مليارين اتنين، والشباب حتى لسه مش عارفين يفكوهم علشان الحصار وإنت فاهم! طيب بلاش إعادة الإعمار، العيال اللي من غير أهالي دي، والملاجئ، والأرامل، والدم اللي مغرق إيدين صاحبك اليهودي اللي ممكن نرفع عليه قضية في محكمة العدل، إنما علشان خاطرك بس حنسكت، ياللا شخلل جيبك شوية، الرقم لسة بعيد يا معلم..\”
كل الهيصة والبوليكة والضرب اللي فوق الحزام وتحت الحزام والطحن ده في رابعة وفي غزة وفي أي حتة تانية، علشان الكبير يشحت على حس الغلابة سلطة وفلوس وأرض، واحتمال نسوان ومخدرات وخمرة كمان لو عايز.
الربيع العربي حط العالم في مأزق الثورة، ما ينفعش جارك في أي حتة يبقى عنده صراصير، وإنت عامل فيها نضيف وشمعة فلة منورة، يا نعيش عيشة فل، يا نموت إحنا الكل، الربيع العربي أثبت إن نظريات فوكوياما \”نهاية التاريخ\”، وهننجتون \”صدام الحضارات\” في الكليتش.. نظريات مأجورة هدفها أدلجة \”القرن الأمريكي\”، وهدفها إن أمريكا \”كاوبوي دينامو، وست شريفة غرضها شريف\” تتربع على عرش الكون، وتبقى الشركات الكبيرة هي اللي ماسكة العالم، وماحدش ياخد توكيل أيتُها حاجة غير الشركات بتاعتها، الربيع العربي والفوضى الخلاقة أثبتت إن أمريكا خيشت وبتخيش وطول عمرها كانت بتخيش، بس إحنا اللي بنسمع الخواجة الأمريكاني بيتكلم إنجليزي وبينطق \”الره\” بطريقة مخيفة وصوت عالي فنتخض، ونحس إنه حاجة تانية.. \”أمريكاني، أمريكاني، أمريكاني.. أصلي يعني على أبوه!\”.. أمريكا مش بس خيشت في ١١ سبتمبر من نفس البكابورت اللي هي فتحته ودفعت فلوس علشان الريحة تهفهف على العالم، أمريكا خيشت في ڤييتنام، وفي هيروشيما وفي ناجازاكي، وفي البوسنة والهرسك، وفي أفغانستان والعراق والصومال واليمن وليبيا وفي كل حتة، اقتصاد السوق وهم، والعالم بيتفرج على \”الربيع العربي\” و\”الفوضى الخلاقة\” و\”داعش\” و\”جيش الدفاع الإسرائيلي\” و\”حماس\” و\”فض رابعة\” والفلوس اللي رايحة جاية، والبشر اللي قاعدة تقطع أعضاء بعض، وتقتل في بعض، ويفرحوا ويتنطنطوا علشان قدروا يقتلوا ما أبصر كام واحد، ويهللوا علشان قطعوا مش عارف كام \”بظر\”، ويكبروا علشان مش عارف طردوا كام \”مسيحي\”.. كله قاعد يتفرج وعارف إن الدور اللي جاي مش بعيد عنه، وخلع الضرس الروسي غالي، وبيكلف كتير، وبوتين مش أقل دموية ولا عنف من أعتى عتاة الشرق الأوسط على فكرة.
العالم بيثور، مش الشرق الأوسط بس، الرأسمالية هي اللي بتنهار مش بس الكام دولة المتعثرين اللي بياخدوا قروض من بنك النقد الدولي علشان الديمقراطية ومأسسة الدولة، الرأسمالية بتنهار وإذا كان زمان فيه ملجأ إسمه \”الاشتراكية\” نجري ناحيته ناخد شوية سلاح نحارب بيهم، ونبني لنا كام مصنع، دلوقتي البشرية لسة ما عندهاش بديل للرأسمالية الشرسة، والاقتصاد العابر للقارات (عن عمد ومع سبق الإصرار والترصد)، وبوتين لعلمك يعني مش \”اشتراكي\” ولا مع \”المطحونين في العالم\” ولا مع \”عمال كل العالم اللي هيتحدوا\”.. العالم لازم حيثور، مش علشان رابعة، إنما علشان الراس اللي دوّرت رابعة.. ودورت الفوضى الخلاقة.. ودورت غزة.. ودورت سينا، وبتدور كل طواحين الدم اللي دايرة تطحن في الشرق الأوسط، راس واحدة.. مش هي العسكر ولا الداخلية ولا هي الإخوان ولا حماس ولا الجهاد ولا داعش والقاعدة، دي راس تانية أكبر منهم كلهم، موجودة في مكان تاني جوا كل واحد فينا.. الأخ الأكبر!
بص على المرايا الصبح ودور جواك على الأخ الأكبر علشان تعرف في المقابل تدور على الإنسان، وما تنجرفش مع القطيع ناحية طرف من الأطراف، وتتوه في المعمعة، وحياتك ومعارفك وخبراتك تتحرق بدون أي فايدة في عاركة مالهاش طعم مع حوكشة صاحب الفرن وحموسّة سواق التوك توك في إشارة رابعة.. مش كيميا يعني، إنزل الشارع وإنت تعرف إن ده وارد جداً.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top