(أما بقول قناة السويس، بحسابات المشروعات البسيطة، أنا بكلم كل المصريين بالمناسبة، مش بكلم فئة بعينها، الإنسان البسيط واللي مابيقراش ويكتب، عايزه يعرف القناة دي أتكلفت عشرين مليار جنية، لو أنا خلصتها في تلات سنين، العشرين مليار هيتخدم عليهم كفلوس خدتها من الناس ندفع عليها فوائد، أنا باقولكم وأنا باتكلم دلوقتي، إذا كان على العشرين مليار بتوع قناة السويس، دلوقتي بفضل الله سبحانه وتعالى، دخل القناة الزيادة اللي زاد من (45/47) سفينة في اليوم إلى (60/63) في المتوسط، يعنى إيه؟ لو على العشرين مليار اللي إحنا دفعناهم، إحنا جبناهم. صحيح كده، مش المشاريع بتتحسب كده؟)
السيسي متحدثا في واحدة من الندوات التثقيفية الدورية للقوات المسلحة في أغسطس/آب الماضي بعد افتتاح مشروع القناة بأسبوعين تقريبا، ثم يدوي تصفيق حاد في قاعة مليئة بضباط من مُختلف الرتب.
قبل افتتاح القناة الرسمي، تفرغ الفريق مهاب مميش للحديث عن أرباح القناة المُتوقعة، وقال في تصريحات صحفية إن الأرباح الزائدة حوالي مائة مليار دولار سنويا، لكن تراجعا وارتباكا في تقديرات سيادة الفريق بدا واضحا للجميع، بعدها قال إن زيادة دخل القناة عن عام 2015 في الربع الأول من العام الحالي بلغت 592.4 مليون جنيه، لكن الفريق مميش لم يوضح هذه الزيادة بشأن القناة الجديدة أو القناة القديمة أو قناة السويس عموما!
السؤال نفسه ينسحب على تصريحات السيسي، كيف يمكن لقناة السويس أن تربح في خمسة عشر يوما عشرين مليار جنية زيادة عن أرباحها الأصلية؛ فيكون صافي الربح في تسعين يوما 592.4 مليون جنيه؟!
قبل أن نقفز على تفصيلات الأرقام وتعقيداتها، ثمة معلومات هامة يجب التركيز عليها لمحاولة فهم المشروع بتفاصيله.
حفر تفريعة جديدة لقناة السويس لم تكن الأولى، فمنذ افتتاح القناة شهدت حفر أكثر من تفريعة بأطوال مختلفة، تفريعة البلاح، بطول 8.9 كم والتي تم حفرها عام 1955، وفي نفس العام تم حفر تفريعة البحيرات المرة بطول 11.8 كم وتفريعة كبريت بطول 7.0 كم. ثم في عام 1980 تم حفر تفريعة بورسعيد بطول 40.1 كم، وتفريعة التمساح بطول 4.3 كم، ثم تفريعة الدفرسوار بطول 8.4 كم.
إذن، ما الجديد الذي ستقدمه التفريعة الجديدة؟! بمنتهى البساطة ستتمكن السفن من عبور القناة في كلا الاتجاهين في ذات الوقت بطول التفريعة، وتقليل زمن الرحلة والانتظار في البحيرات المرة، زمن الرحلة سيقل من ثماني عشرة ساعة، إلى إحدى عشرة ساعة فقط.
الجزء الثاني من المشروع كان توسيع وتعميق تفريعات البحيرات المرة والبلاح بطول 37 كم، ليصبح الطول الإجمالي للمجرى الجديد 72 كم، من الكيلو متر 50 إلى الكيلو متر 122؛ لتسمح بعبور الناقلات العملاقة بغاطس 65 قدم.
المعلومة الأهم أن أجر مرور السفن يكون على وزن الحاويات، لا علاقة له بتقليل زمن المرور.
بحسب الموقع الرسمي للقناة، عملية حساب رسوم عبور القناة تتم من خلال قسم يسمى القياس تابع لإدارة التحركات بهيئة قناة السويس. يقوم موظفين قسم القياس بالصعود على السفن وقياس كل الفراغات الممكنة وحساب ما يسمي بحمولة قناة السويس الكلية للسفينة. بعد القياس، يقوم الموظفون بتحميل بيانات المركب وأنواع البضائع المختلفة بها مع الحمولة الكلية وبعض الحسابات الفنية الأخرى لبرنامج يتم به حساب الرسوم.
ماذا تستفيد مصر من تقليل زمن الرحلة؟ وكيف ستمر السفن العملاقة من الأماكن التي لم يجر تعميقها بعد؟
ربما لأنه لا توجد جدوى من المشروع، قال السيسي: \”قناة السويس هدية مصر للعام\”.
لكن العالم سرعان ما رفض الهدية، فبعد انخفاض أسعار البترول العالمية، شهدت القناة تراجعًا كبيرا في إيرادها، وتضاربت التصريحات حول معدلات الانخفاض، لكن المؤكد أن مصر قللت رسوم المرور مرتين على ناقلات النفط العملاقة الفارغة على مدار العام بنسبة 65% في محاولة لتدارك الخسائر.
على الموقع الرسمي لهيئة قناة السويس الهدف الأول للمشروع زيادة الدخل القومى المصرى من العملة الصعبة.. سعر الدولار كان يقترب من الثمانية جنيهات، سعر الدولار تجاوز حاجز الأثنى عشر جنيها في السوق السوداء حاليًا!
حاول مميش تفسير تراجع إيراد قناة السويس بأسباب كثيرة في تصريحات متعددة، فمرة أرجع السبب إلى انخفاض حركة التجارة العالمية، ومرة إلى هبوط أسعار البترول العالمية، لكن رد السيسي جاء صادمًا أثناء إطلاق شارة بدء حصاد محصول القمح في مايو/أيار الماضي قائلًا: \”سمعت حد بيقول إيرادت القناة قلت.. لأ طبعا، وأنا باقولكم لأ طبعا.. يبقى ده كلام مسؤول، وإلا يبقى مفيش. لأ طبعا وزادت\”!
لم يخرج بيان رسمي واحد من هيئة قناة السويس يوضح مقدار زيادة دخل القناة، والسبب في علم الغيب!
في الشهر نفسه نُشرت تقارير عن تفاوض هيئة قناة السويس مع عدد من البنوك للحصول على قرض بقيمة 600 مليون يورو؛ لتمويل إلتزامات مالية مُستحقة على الهيئة، دون توضيح للرأي العام عن ماهية هذه الألتزامات!
الهيئة حصلت على قرضين عام 2015 الأول بقيمة 1.4 مليار دولار، من تحالف مصر فى ضم 8 بنوك، للمساهمة فى المكون الأجنبى لمشروع حفر القناة، والثاني بقيمة 400 مليون دولار تم صرفه نهاية العام الماضى، من تحالف بنوك مصر والعربى الأفريقى والتجارى الدولى والأهلى، لتمويل مستحقات شركات المقاولات المشاركة فى حفر قناة السويس الجديدة، والمساهمة فى تمويل مشروع قناة شرق تفريعة بورسعيد الجديدة بطول 9.5 كيلو متر.
والسؤال البديهي بعد الحصول على القرضين وزيادة إيراد القناة -بحسب تصريحات السيسي- لماذا تتفاوض إدارة الهيئة للحصول على قرض ضخم بهذه الصورة؟
تضارب الأرقام والتصريحات والحقائق الغائبة، والأكاذيب المنتشرة، حول زيادة أو ثبات أو خسارة قناة السويس يُصّعب من محاولة تقييم المشروع وجدواه الاقتصادية، فإذا زادت إيرادت القناة لماذا لا يتم الإعلان عن هذه الزيادة، وضخ العملة الصعبة للسوق، ومحاولة السيطرة على سعر الدولار وتقليل التضخم، وإذا كانت القناة خسرت وقلت وتراجعت إيرادتها عن الأعوام الماضية رغم التكلفة الهائلة للمشروع، لماذا لا يتم الاعتراف بالخطأ لتداركه في مشروعات مستقبلية ووضع رؤى وتصورات ودراسة جدوى موضوعية بعيدة عن تصريحات المائة مليار غير المدروسة، قبل المُضي في تنفيذ أي مشروع؛ حتى لا تضيع الأموال وتكون الفرحة الوحيدة الباقية من المشروع أغنية نانسي عجرم \”مصر بتفرح\”؟!