ياسمين زغلول عبدالله تكتب: تلك القوالب

تابعت بشكل سطحي الروايات المتضاربة لأزمة بعض الفتيات المنتقبات وما حدث لهن في إحدى المطاعم الشهيرة، وبغض النظر عن شجبي الشديد لأي ممارسة عنيفة ضد أي امرأة مهما كان شكل ردائها، ولكن لفت نظري بعض ردود الفعل التي تناولت الحادث على أنه ضياع للنخوة والمروءة –وهو أمر صحيح مع بعض المبالغة- ويغالي البعض في تقييم الأمر باعتباره مؤامرة على الدين الإسلامي!

وهذا إن كان يعطي دلالة لأي شيء فهو يدل على أن نخوة هؤلاء ومروءتهم لم تكن لتظهر بهذا الجلاء لو كانت الفتيات صاحبات القصة ممن يرتدين الملابس العادية أو حتى بشعورهن.
آفتنا مؤخرا في بلادنا العزيزة هي الحكم بظاهر الأمور والقولبة، أنت منتقبة إذن أنت إنسانة فوق البشر ولك كل الحقوق ولا عجب في ذلك فأنت تحتكرين الإسلام الصحيح، مما يجعلك مبرأة من كل الأخطاء والنقائص الشخصية، لست كهؤلاء المتبرجات الفاجرات اللاتي عليهن أن يحمدن الله حمدا كثيرا أنهن ينزلن من بيوتهن أول النهار ويعدن آخره من دون أن يتعرض إليهن أحد بأي مضايقة مادية أو لفظية.
بدليل أن كل هؤلاء الذين انبروا مدافعين عن الفتيات المنتقبات، هم أنفسهم من يغضون الطرف ويتصنعون اللامبالاة عندما تتعرض فتاة عادية لا ترتدي النقاب أو الحجاب لأي نوع من التحرش أو ربما الاختطاف، ويسمحون لأنفسهم بمنتهى السماجة بمزاحمتهن في الطرقات ووسائل المواصلات، بينما يتحرجون من فعل ذلك مع المنتقبات، وإذا تجرأت إحداهن وأبدت اعتراضا على هذا التعامل ينهال عليها اللوم من كل حدب وصوب باعتبارها لم تضع نفسها في قالب الإنسانة الكاملة الذي صنعوه زيفا وبهتانا.
كثير من رواد مواقع التواصل تابعوا مؤخرا ما كتبته فتاة غير محجبة على صفحتها الشخصية عن الموقف الذي تعرضت له عندما طلبت تأجير سيارة لتنقلها إلى عملها في نهار رمضان، وعندما وصل السائق ورآها، تعلل بالصيام وتركها في الشارع في رد فعل ينطوي على كثير من السماجة وقلة الذوق. أي صيام هذا الذي يدعيه الأخ والذي يخول له تعطيل مصالح البشر وازدرائهم؟ لماذا حوّلنا مؤخرا تديننا وعباداتنا إلى مجرد طقوس ظاهرية فارغة من أي مضمون دون أن نمررها على العقل والقلب أو نفهم الجدوى الصحيح منها، فأصبحنا نضع طول الثوب مقياسا لتدين صاحبته وقبولها في المجتمع ويمسك الصائمون –إلا من رحم ربي- عن الأكل والشرب دون الإمساك عن أخلاقياتهم السيئة.
المهم، عودة للفتاة المذكورة التي لا أحتاج للقول إن غالبية أفراد مجتمعنا –المتدين بطبيعته!- ألقوا عليها أقسى اللوم على اعتراضها، مدافعين عن السائق إياه بقولهم إن من حقه الدفاع عن سلامة عبادته، أي عبادة هذه وأي تدين هذا؟!
ويتضح لنا من الموقفين والمقارنة بينهما أن مروءة هؤلاء ونخوتهم ليست مطلقة، وإنما مشروطة باتباع القوالب الظاهرية إياها التي ألصقناها بالدين زورا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top