آلاف البنات المصريات والعربيات صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي مع اصحابهم.. مش بس منى هلا.
آلاف البنات المصريات والعربيات صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي عاريات.. مش بس علياء المهدي.
آلاف البنات المصريات والعربيات يعملن بالجنس ويقدمن أفلام پورن.. مش بس ميا خليفة.
ما هو سر الجدل حول هؤلاء؟
ظهرت منى هلا في عدة برامج تليفزيونية مؤخرا، وعندما قالت إنها حرة في حياتها الشخصية، قيل لها: لا لست حرة.. أنت شخصية عامة ويجب ان تراعي العادات والتقاليد وتتحملي المسئولية أمام جمهورك.
ماذا عن علياء إذن؟ هي لم تكن شخصية عامة، ولم يكن يعرفها أحد على الإطلاق، وماذا عن ميا خليفة أيضا؟
الموضوع باختصار أن علياء لم تصور نفسها في وضع جنسي، كما اعتاد مدمنو الپورن على الإنترنت، ولم تقصد أي إغراء من أي نوع.. هي مجرد أفصحت عن هويتها وأفكارها، وكان هذا كاف لصدمة المجتمع صدمة، جعلت مدونتها تتخطى المليون زائر في أيام قليلة، وجعلها أيقونة.. سواء للحرية أو للانحراف الأخلاقي.. كل حسب رؤيته.
والهجوم على ميا خليفة لم يكن بسبب مهنتها، بل كان بسبب تاتو يدل على هويتها اللبنانية.
الفكرة أن المجتمع يتقبل هذه الأفعال من مجهولات فقط، بمعنى أن لها أن تفعل ما تشاء، ولنا أن نستمتع بها، طالما لم تذكر اسمها وتتعامل على أنها إنسانة ذات فكر أو رأي.. يجب أن تظل قطعة من اللحم بهدف المتعة فقط ليس أكثر، بدليل أنك لن تجد أي شتائم أو تهديد بالقتل في تعليقات على صورة عارية لواحدة مجهولة على الفيسبوك مثلا، ستجد فقط كلاما جنسيا وغزلا في جمالها.. نفس الناس دي، لو نفس البنت كتبت على نفس الصورة: أنا فلانة الفلانية وبعمل كده، ومحدش له حاجه عندي.. هيشتموها ويهدروا دمها كمان.
استطيع أن افهم رغبة الناس في تحقير المرأة التي لا تسير حسب العادات والتقاليد عن طريق تجهيلها واعتبارها قطعة من اللحم، حيث يعتقدوا أنها اختارت لنفسها هذا الطريق في الحياة، وهذه نتائجه، وعليها أن تتحملها -وهو ليس من حقهم في أي حال من الأحوال- لكن أن يلبسوا هذه الرغبة في تحقيرها عباءة الدين والعادات والتقاليد، فهذا هراء لا يقبله عاقل، لأن الدين يفترض به أن يرفض الأمر برمته، سواء كان من شخصية مجهولة أو شخصية عامة.. كل ما هنالك أن المجتمع يُستفز من تحدي هذه الأنثى، فيخرج عليها بسلاح الدين والتقاليد ويدعي الفضيلة عليها وهو من كان مسكينا بائسا أمام المواقع الإباحية ليلة أمس.
لا أعلم من أين أتي الجميع بالاتفاق الضمني غير المعلن على حرية المرء في الخفاء، والتظاهر بعكس ذلك في العلن.. جميعنا يعلم جيدا ما يحدث في السر، لكننا اتفقنا على التظاهر بغير ذلك من منطلق عدم الجهر بالمعصية. اتفق المجتمع على ارتكاب كل الخطايا من قتل واغتصاب وتعذيب وسرقة، إلا الجهر بالمعصية مازال يحتفظ بقدسيته ولا يمس.
تجلى ذلك التناقض عندما بدأت ظاهرة التحرش الجماعي الذي يمارس في العلن بالفعل، لكنهم يرتكبونه بالشخصية السرية التي تجلس أمام الكومبيوتر مختبئين بالزحام وادعاء مساعدة الفتاة، ثم ينكرونه بعد حدوثه ويتوقعون من الضحية أيضا إنكاره درءا للفضيحة، وتستطيع أيضا أن ترى ذلك في إطار التحرش الفردي من خلال عدم قبول المجتمع للفتاة التي تدافع عن نفسها بفضح متحرش واتهامها بفضح نفسها، في حين أنه هو المعتدي، لكن لرغبته في الاعتداء خلسة.. هو ليس مخطئا ولجهرها بهذا الفعل هي مخطئة وإن لم تكن مرتكبته! لأن الجريمة ليست الاعتداء الجنسي، بل هي الجهر وفقط، ويظلوا محتفظين بفكرة أن الجهر بالمعصية ينشر الفحشاء بين الناس، وهي التي انتشرت بالفعل، بل واصبحت جزءا من الثقافة العامة المتفق عليها.. اصبحوا يجهرون بالمعصية فعلا ومازالوا ينكرونها قولا بكل فخر.
الحقيقة أنه لا دين ولا عادات وتقاليد تسمح بهذا النفاق والادعاء.. الحقيقة أن الدين الذي يتشبث به كل من يحاول التحكم في أنثى يرفض التحرش -زنا اليد- أكثر من عدم ارتداء الحجاب، لكن المجتمع يختار من الدين ما يتيح له التحكم في المرأة، ويترك ما يمنعه من إهانتها.
والحقيقة الأخرى أن كل إنسان ذكرا كان أو أنثى، حر فيما يفعل وحسابه عند ربه، والحقيقة الأخيرة في هذا المقال أن المجتمعات الذكورية على اختلاف أديانها ترى أنها من حقها خلع ملابس الأنثى وقتما شاءت وكيفما شاءت، أو تغطيتها وقتما شاءت وكيفما شاءت، وتنكر على الأنثى حقها في خلع ملابسها أو لبسها.. ينكرون عليها رغبتها في أن تُلمس أو عدم رغبتها في أن تُلمس.. يزعجهم أي فعل يدل على الاختيار سواء اتفق مع الدين أو خالفه أو مع العادات والتقاليد أو لا، بدليل أننا نرى اليوم \”صيصا\” التي أخفت أنها امرأة وارتدت زي الرجال لمدة تزيد على الأربعين عاما، لكي تستطيع أن تعمل وتجد قوتها وقوت أولادها دون أن تُنتهك جنسيا أو نفسيا تحت أي ستار، سواء كان الدين أو العادات والتقاليد، وليس لكي تتحرر جنسيا كما الرجل، فالمرأة في مجتمعاتنا تصارع من أجل كل شيء، وليس فقط من أجل حرية جسدها كما يدعي البعض.