لم ينم ولم تنم؟!
لم ينم حضرة صاحب العزة يوسف بك وهبي ليلته تلك، ظل حتى الشروق يصارع قوى لا قبل لسواه بمنازعتها، متذكراً إسحاق -أو لعله يعقوب- أيهما ذلك الذي صارع رباً حتى الشروق؟!
البك تنازعته الآن رغبتان؛ رغبة أن يفصح عن هذا الأرق الذي اعتراه، ورغبة أن يخفي ذلك تحت قناع (غير المنفعل)، الذي اختطه لنفسه.
رتوش القلق، كانت ليلة مؤرقة وليته كان بمنطق..، ليلة استلبها فجر وليد مسلماً إياها لصباح –لعله- عنيد، أهو صباح يليق بما يحويه؟! يا صباح رقى عن صباحات خلت، صباح الجمعة الرابع عشر من يوليو عام 1944، أنا اليوم اتمم عامي الـ 45، مستهلاً عامي الـ46.
تأمل البك قليلاً فيما أنجزه حتى الآن، وفيما بقى عليه انجازه، لكن قلقلاً التفافي كان يفسد عليه تأملاته، صوب عينيه على زوجته التي صحت بعد قليل من هذا التصويب، لتجده جالساً فوق كرسي التسريحة جراحاً يبتسم، أستأّذنها برفعة -لن ترد- في أن يذهب إلى الفيلا القريبة التي استأجرها لأسمهان ليلحق بها قبل السادسة، حيث تزمع أن تفر مع صاحبتيها ليومين إلى رأس البر، وهو لا يريدها أن تفعل.
أسبلت زوجته عينيها مرتضية أن يفعل ما شاء، ثم اقترحت عليه أن يزين للفاتنة النزقة عدم الرحيل إلى رأس البر بأن تصحبهما إلى الإسكندرية –الأرقى حينذاك- تصحبهما في رحلة \”الويك إند\” تلك، والتي توافق احتفالاً بعيد ميلاده، قبل هو أي دعم في إقناع أسمهان بمشاركتهما، إلا دعما يعتمد على تذكيرها بميلاده هو.
أبى هو في طريقه إليها أن يسائل هذا المنطق، وظل يستثني منطقاً وراء منطق في إقناعها، الباقة التي احتوت مناطق عدة كان منها؛ أنه قد بقى أقل من عشرة أيام عمل، وينتهي فيلمهما \”غرام وانتقام\”، الذي يعلم هو مسبقاً أي نقلة يستطيع أن يحدثها في حياتها، وحياة الفن السينمائي الدرامي الغنائي المتواثب بالإمكانات متى صادفت مركبه ملاحاً إن كان رشيدا.
وصل إليها وقد ذابت آخر ذؤابات الليل، وابتسمت هي متنعمة في لمع عينيه، ونسانة، هي تعلم أنه سيعزف على وتري التدليل والإخضاع ومعاً.. يالـ تراكيبه! لكنه –أبداً- لن ينهك روحه لا في الاحتيال عليها، ولا في المحايلة -حاشاه- لكنه كاد أن يفعل، وأوشكت هي نفسياً على الإذعان، ولو، حتى إشعار آخر.
واستشعر هو ذلك، وميض سرى بينهما، لم يكتمل، إذ قطعه رنين جرس واقعي، ودخلت فتاتان جاءتا لاصطحابها في رحلتهم المقررة سلفاً، أُحرجت هي، وأُرج هو.
بعد قليل وعلى مرمى البصر، كان الهرم باقياً، ومن خلفه الشمس قد وارت القمر، وسيارتان تهرعان للقيا قدر.
وفي مثل هذا اليوم ١٤ يوليو من صباح عام 1898 ولد عميد المسرح العربي يوسف وهبي، وفيه رحلت أسمهان في عام 1944 دون أن تتمم فيلمهما الأخير.