ياسر الزيات يكتب: "الصورة الكاملة".. للعبث

حدث هذا كله في الوقت نفسه تقريبا: طلاب الثانوية العامة في مصر يتظاهرون، بشكل سلمي، أمام وزارة التربية والتعليم، احتجاجا على قرار وزاري بإلغاء امتحان أدوه، بحجة تسربه.
ليليان داود، مقدمة برنامج \”الصورة الكاملة\” على قناة \”أون تي في\”، تعلن استقالتها من القناة، في اليوم التالي لإعلان زميلها جابر القرموطي، مقدم برنامج \”مانشيت\”، استقالته من القناة نفسها.
الرئيس عبد الفتاح السيسي يعقد اجتماعا مع شريف إسماعيل رئيس الوزراء لمناقشة \”استراتيجية تطوير صناعة السيارات في مصر\”.
وتطورت الأحداث هكذا:
قابل وزير التربية والتعليم احتجاجات الطلاب بتصريح نصحهم فيه بأن يعودوا إلى بيوتهم لمذاكرة دروسهم استعدادا لامتحانات المواد التالية. فرد الطلاب على تصريح الوزير بالتوجه إلى مقر مجلس النواب، لإيصال أصواتهم إلى ممثلي الشعب.

كان مجلس النواب، وقتها، منعقدا لمناقشة الموازنة العامة للدولة. ولكن أحدا لم يعرف شيئا، يومها، عن هذه الجلسة سوى أن نائبا في المجلس أرسل مقطع فيديو إباحيا لزملائه النواب، على \”جروب\” مخصصة لتواصل النواب مع بعضهم البعض، على \”واتس آب\”.
عادت ليليان داود إلى منزلها، متخففة من عبء العمل في قناة انتقلت ملكيتها إلى رجل الأعمال المحسوب على النظام، أحمد أبوهشيمة، الصاعد بسرعة نحو الاستحواذ على وسائل الإعلام التي تقلق، أو من المحتمل أن تقلق، أركان النظام الحاكم.
لم يسمع نواب البرلمان أصوات الطلاب المحتجين في الخارج، فقد كانوا، هم أنفسهم، مشغولين بكتابة رسائل احتجاج لزميلهم، الذي أرسل المقطع الإباحي، فيما أرسل بعضهم احتجاجا لرئيس المجلس الذي كان يناقش الموازنة العامة للدولة.
ضيّقت الشرطة الحصار على الطلاب المحتجين أمام مجلس النواب (مجلس الشعب سابقا)،  فقرروا الذهاب إلى ميدان التحرير، لمواصلة الاحتجاج. هناك استقبلتهم الشرطة بقنابل الغاز المسيل للدموع، ودارت معركة غير متكافئة بين الشرطة المسلحة والطلاب العزل في شارع محمد محمود، الذي شهد معركتي محمد محمود الأولى والثانية بين الثوار والشرطة، وسقط فيه الكثير من الشهداء، وفقد فيه ثوار عديدون أبصارهم.
لم تكد ليليان داود تدخل بيتها حتى داهمه ثمانية رجال قالوا إنهم جاءوا لترحيلها خارج مصر.. لم يسمحوا لها بوداع ابنتها، البالغة من العمر 10 سنوات، ولا بجمع متعلقاتها، واصطحبوها مباشرة إلى المطار.

بالمصادفة، كان زوجها السابق موجودا، وأخذ الطفلة المفزوعة، وروى ما حدث. في الأثناء، وحتى تسريب صور لليليان في مطار القاهرة، قالت مصادر أمنية إنها لا تعرف شيئا عنها، وقالت مصادر قضائية إن أمرا قضائيا لم يصدر بحقها، سواء بالقبض عليها أو ترحيلها، فبدا الأمر كأنه اختفاء قسري، وقال زوجها السابق إن الذين اصطحبوها أخبروه بأن \”هذه تعليمات من مكتب الرئيس شخصيا\”.

لم يعرف أحد ما الذي أسفر عنه اجتماع الرئيس السيسي مع رئيس الوزراء حول \”استراتيجية تطوير صناعة السيارات في مصر\”. وتحولت جلسة مجلس النواب، المخصصة لمناقشة الموازنة العامة للدولة، إلى فضيحة أخلاقية لنواب الشعب المشغولين عن مناقشة الموازنة داخل المجلس، واحتجاجات الطلاب خارجه، بمقطع إباحي أرسله نائب إلى زملائه بالخطأ. وأصيب عدد من الطلاب في هجوم الشرطة عليهم، وأُلقي القبض على عدد آخر، واختفى ستة طلاب قسريا، حسب بيانات حقوقيين وردت في تقارير إعلامية، فلم يعرف أحد مصيرهم، كما أن أحدا لم يعرف مصير الموازنة العامة، ولا مصير صناعة السيارات.
قبل أن تظهر صور ليليان داود في مطار القاهرة، نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة \”الوفد\” خبرا عنوانه: \”ليليان داود مصابة بالإيدز\”. ثم حذف الموقع الخبر واستبدل به آخر يقول: \”عرض ليليان داود على الحجر الصحي\”، وبعد إدانات للمستوى المهني الذي وُصف بأنه \”متدن\”، وهو كذلك بالفعل، نشرت الصحيفة خبرا عنوانه: \”ترحيل ليليان داود من مصر بقرار سيادي لتعاملها مع مخابرات أجنبية\”.
قبل يومين من هذا كله، وقف محامي الحكومة أمام القضاء مدافعا عن موقف حكومته، التي تنازلت عن جزيرتي نيران وصنافير لصالح السعودية، فوصف مصر بأنها دولة احتلال، وقال إنها كانت تحتل الجزيرتين.
وإذا أضيف المشهد الأخير إلى تلك المسارات المتوازية، المذكورة أعلاه، ستتشكل \”الصورة الكاملة\” للعبث السياسي الذي تشهده مصر في الفترة الأخيرة، فلا أحد يفهم ما يجري، حتى هؤلاء الذين يعتقدون أنهم يديرون الأمور، ولا أحد يستطيع أن يتوقع ما يمكن أن يحدث غدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top