أن يكون مشروع قناة السويس الجديدة هو مشروع مصر القومي الأول بعد ثورة 25 يناير، والذي التفت حوله جموع الشعب المصري, فهذا ليس بجديد, فمشروع ربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض كان مشروع مصر القومي الأول مذ 3850 سنة في عصر الأسرة الثانية عشر في الدولة الوسطى.
كان هذا العصر هو عصر نهضة زراعية وتجارية وفنية قامت في مصر, بعد ان عانت من نتائج الصورة الاجتماعية التي تفجرت في مصر بعد الأسرة السادسة نتيجة للفساد والمحسوبيات وسيطرة الإقطاعيين على ثروات الدولة, وسقطت مصر في فوضى وصراعات داخلية، وانقسمت فيها مصر, سقطت معها فكرة الحاكم المؤله، وتوحدت البلاد مرة أخرى وقامت الدولة الوسطى, وتغيرت نظرة الشعب للحاكم الذي اصبح مسئولا أمام شعبه بإقامة العدل وسن القوانين وتوزيع الثروات بشكل عادل والقضاء على الفساد والمحسوبيات, وبدأ الحكام في الدولة الوسطى بالعمل على إقامة المشروعات، فكان مشروع قناة (سيزوستريس) أول مشروع التف حوله المصريون في عهد الملك سنوسرت الثالث. إذا تتبعنا تاريخ حفر القناة، ثم إهمالها حتى تتعرض للردم، ثم يعاد فتحها مرة أخرى, سنجد أنه مع كل تأسيس لأسرة جديدة أو بعد مراحل انتقالية طوال التاريح المصري حتى يومنا هذا.. يكون أول مشروع تتجه له الأعين في محاولة لتاسيس اقتصاد أفضل للدولة أو لتسهيل ملاحة السفن سواء كانت التجارية أو الحربية، هو مشروع ربط البحرين.
قناة (سيزوستريس) هي أول قناه مائيه تربط بين البحر المتوسط بالبحر الأحمر عن طريق نهر النيل, بدأ التفكير فيها في عصر الملك (سنوسرت الثالث 1850 ق.م ) وهو خامس ملوك الأسرة الـ 12 (الدولة الوسطى) وهو عصر بدأ نهضة زراعية وتجارية، ونهضة في الفنون، وتوسعت فيه الفتوحات المصرية على أساس تحقيق العدالة الاجتماعية للشعب المصري, بعد الفوضى التي تعرضت لها الدولة في نهاية عصر الدولة القديمة (عصر بناة الأهرامات) لانعاش حالة التجارة بين مصر وبلاد بونت في الجنوب، ومصر وجزر البحر الأبيض المتوسط في الشمال, وذلك لتسهيل نقل السفن وأسطول مصر البحري من البحر الأبيض ثم النيل، ليمر بالقناة، ليصل إلى البحر الأحمر.
وكان شكل القناة في عهد سنوسرت الثالث هو ربط النيل من عند الزقازيق، بالبحيرات المرة، وعمل امتداد للقناة يصل بخليج السويس سمي (قناة كبريت). تعرضت القناه للإهمال حتى جاء المللك (سيتي الأول) ملكا على مصر، خلفاً لأبيه \”رمسيس الأول\” مؤسس الأسرة التاسعة عشر، وقد اختلف المؤرخون في دوره في حفر القناة، لكن الأرجح أنه أعاد حفر القناة في عهده من عام 1319 ـ 1300 ق.م
وفي عصر الاحتلال الفارسي لمصر عام 510 ق م، وبعد أن سيطروا على طريقي التجارة البحرية (الخليج الفارسي والبحر الأحمر)، واعدت مصر ليكون لها دورا مؤثرا في تجارة البحر الأحمر، وقد عثر خلال حفر قناة السويس 1859 على آثار قنوات قديمة!
وعام 1866 عثر على لوحات تحدد القناة القديمة، التي كانت تمتد من خليج السويس لتتصل بالبحيرات المرة، ثم بحيرة التمساح، وتمر متخذة زاوية يمنى باتجاه الغرب، لتتصل بالنيل قرب تل بسطة، وعلى إحدى هذه اللوحات التي عثر عليها في حالة سيئة في شادوف إلى الجنوب من البحيرات المرة، تؤكد (أن الملك الفارسي (داريوس) قد عثر على جزء من القناة بلا ماء ولا يعمل ولا يصلح لحمل السفن) كما عثر على لوحة أخرى في تل المسخوطة، تؤكد النص السابق وتضيف عليه رحلات الفرس البحرية، والتي توضح أن فارس بامتلاكها الطريقين البحريين باتجاه الشرق، قد طورت الصلات مع الخليج الفارسي وخليج عمان والمحيط الهندي وخليج عدن، ولم يكن المرور التجاري بهما محل شك، واحكم سيطرة الفرس على المنطقة.
أما في عصر البطالمة، تبنوا مشروع اتخاذ مصر نقطة التقاء التجارة الدولية (285 ق م) أعادوا الملاحة في قناة سيزوستريس, وأنشأوا منار في جزيرة فاروس, وامتلكت مصر ألفين من السفن البحرية وألفا وخمسمائة من السفن الشراعية، وضاعفت من موانئها على سواحل البحر الأحمر, وكانوا على اتصال بالساحل الأثيوبي من البحر الأحمر، واكتشفوا ساحل الجزيرة العربية, وازدهرت التجارة.. شقوا قناة على الفرع البلوزي من بوباسطه إلى ارسينوي، وافتتحوا وأسسوا مينائي ميوس هورموس مكان القصير, وميناء بير نيفوس شمال الأول بـ 250 كم، وفتحوا طرقا جديدة، وازدهرت العلاقات المصرية الأفريقية على سواحل البحر الأحمر.
في العصر الروماني، وفي عهد الإمبراطور الروماني \”تراجان ـTrajan عام 117 ق.م، أعاد الملاحة للقناة، وأنشأ فرعا جديدا للنيل، يبدأ من \”فم الخليج\” بالقاهرة، وينتهي في \”العباسة\” بمحافظة الشرقية، متصلا مع الفرع القديم الموصل للبحيرات المرة، واستمرت هذه القناة في أداء دورها لمدة 300 عام، ثم أهملت وأصبحت غير صالحة لمرور السفن.
عند دخول العرب مصر في عهد الخليفة \”عمر بن الخطاب\”، أراد \”عمرو بن العاص\” توطيد المواصلات مع شبه الجزيرة العربية، فأعاد حفر القناة من الفسطاط إلى القلزم (السويس).. وأطلق عليها قناة أمير المؤمنين.. وكان المشروع في واقع الأمر ترميما وإصلاحا للقناة القديمة.. كان ذلك في عام 642م، واستمرت هذه القناة تؤدي رسالتها ما بين 100 إلى 150 عاماً، إلى أن أمر الخليفة \”أبو جعفر المنصور\” بردم القناة تماما، وسدها من ناحية السويس، منعا لأي إمدادات من مصر إلى أهالي مكة والمدينة الثائرين ضد الحكم العباسي!
ومن ثمة أغلق الطريق البحري إلى الهند وبلاد الشرق، وأصبحت البضائع تنقل عبر الصحراء بواسطة القوافل، وأغلقت القناة حتى عام 1820، ثم حفرت بعد ذلك، لكن تغير مجراها وتغير اسمها إلى قناة السويس.