عند الإعلان عن مسلسل \”المغني\” لمحمد منير، اعتقدت أن البارانويا قد تمكنت منه تماما، والتى تصيب بعض المشاهير عندما لا يجدوا ما يقدموه لجمهورهم، حتى يقدم لنا وبشكل مختلف مشوارة الفنى (على حياة عينه) و(بذات نفسه)!
فكانت الإجابه من أول مشاهد المسلسل.. لقد كُلف بهذه المهمة! فـ محمد منير له جمهوره العريض، ويجب استغلال هذه الجماهيرية فى طبع صور مغلوطة عن أزمة تهجير النوبيين، فى أذهان كل من يتابع المسلسل، كمشهد صباه وهو يلعب الكرة مع أقرانه ويتحدث عن حلمه فى الغناء، ويرد عليه صديقه أنه يريد أن يصبح مهندسا ليعمل بالسد العالى، مع إنه لم يولد فى النوبة القديمة! فقد هاجرت عائلته إلى أسوان أثناء تعليات الخزان قبل السد العالي بـ 30 سنة! ثم زاد بأن صور مشاهد التهجير المؤلمة والمصورة فى مئات الأفلام الوثائقية حينها، وظهر في هذه الأفلام كيف تم شحنهم فى صنادل مع أثاثهم وحيواناتهم بمنتهى القسوة، وليس كما صورها مسلسل منير فى مراكب، وكأنهم فى رحلة للأرض الموعودة، وحشر صورة الطفل الذى يحمل صورة جمال عبد الناصر.
منير طالما تاجر بوجع التهجير وآلام المهجرين فى أغانيه حتى وصل إلى القمة، والنظام يعرف أنه يتاجر بقضية النوبيين والنوبة، حتى كسب تعاطف الجماهير فى البداية، فأعجبوا به وبأغنياته.
لذلك فإن منير فى مسلسل \”المغني\”.. لدواعي أمنية، هو أفضل من يتم استغلاله فى طبع صورة التهجير غير الإنسانية، كما تريدها الأجهزة السيادية، لتنفض يديها عن قضية عودة النوبيين إلى أراضيهم، كما عاد كل المهاجرين فى الإسماعيلية والسويس نتيجة الحروب، وكما قيل للنوبيين وقتها.
أنا لم اندهش عندما شاهدت مشاهد التهجير في المسلسل، لأنى اعلم جيدا أن لديه مشكلة مع كونه نوبي، تتضح مع مواقفه الحقيقية تجاه أهل بلده، فهو لم يبن حتى سبيلا لشرب المياه فى بلده كما يفعل ابناؤها الميسورين الذين يتكفلون ببناء المدارس والمستشفيات، ويتكفلون بالأرامل والأيتام.. هو لم ينفق جنيها على أحد، بل إنه عندما كان يطلب منه الشباب أن يغنى فى حفلاتهم ليفخروا به، كان لا يخرج على المسرح إلا بعد أن يأخذ حقه.. هو تاجر بقضية النوبيين حتى آخر نفس، وتاجر بها اليوم لينعم بحضن النظام.. سمعت لقاءه مع عمرو الليثى فى برنامج (واحد من الناس) عام 2010، وهو يصف كيف كان النوبيون ضحايا!
من أراد أن يعرف كيف يفكر منير، عليه أن يشاهد هذه الحلقة، لأن عمرو الليثى كشفه بأسئلته، فهو في هذا اللقاء كان مرة يبكى على النوبة، ومرة يهاجم السد العالى، ومرة يشيد بالنظام! لكن حتما سنخرج من اللقاء بأن منير لم يكن إلا مغنيا يؤدى ما كتب له، ويعرف كيف يستثمر كونه نوبيا.. سيكتمل المشهد قريبا بأن يكافئه النظام بعمل تمثال له فى ميادين أسوان.