وهيبة صالح تكتب: اوعدكم .. لمرجعية التاريخ.. مصر هتبقى زي الفل

\”مصر هتبقي زي الفل\”.. ليس لأنها تنتظر حاكما قويا، ولا لأن لديها جيشا قويا يحميها من السقوط, ولكن لأن بها شعبا يؤمن بواديه وحدوده وهويته أكثر من إيمانه بمن يحكم, هكذا يقول التاريخ.

مصر لم تكن هبة النيل فقط، كما قال عنها هيرودوت, وإنما هي هبة المصريين.. شعب يصبر حتى على المحتل الغازي، وربما يصل إلى درجة استيعابه إذا لم يمس هذا المحتل هويته أو عقيدته, كما فعل مع الإسكندر الأكبر, استقبله المصريون حين ذهب إلى سيوة، وسجد أمام آمون احتراما للمصريين، وعاش اليونانيون في مصر أكثر من 300 عاما، حتى ذابوا في هوية المصريين، حتي إننا نجد ملكة مثل كليوباترا تخرج على رأس الجيش المصري، لتدافع عن حدود الوطن وتحارب من جاءوا من الشمال لغزو مصرن وتموت منتحرة، لأنها لم تتحمل الهزيمة.

وتدهش حين تقول اليوم للمصريين، وقد تصدمهم، إن كليوباترا لم تكن مصرية, ولكنها اعتبرت نفسها مصرية، واعتبرها المصريون مصرية.. هذا موقف الشعب المصري من محتل احترم هويته.

على عكس موقفه من الملك إخناتون \”أمنحتب الرابع\”.. الملك المصري كملك شرعي.. أنا شخصيا احترم فكر وعقيدة إخناتون الذي أتى بها, ولكني كنت ساحترمه أكثر لو احترم عقيدة شعبه وهويته.. قد يختلف معي البعض من الذين يعتبرون إخناتون ثائرا وموحدا وصاحب فكرة العقيدة الموحدة \”الأتونية\”.. الإله الواحد، لأن عيني دائما على الشعب المصري.. شعب تفجر فيه أول ضمير إنساني.. شعب حاول الوصول إلى إله هذا الكون قبل نزول الرسالات بألفي عام، كما قال عالم المصريات جيمس هنري برستد: إن مصر هي \”فجر الضمير\”، وبرستد أتى إلى مصر زائرا كحاخام يهودي، وأسرت قلبه الآثار المصرية، فقرر ان يتفرغ لدراستها، فماذا قال: \”وجدت وصايا موسى ناقصة في التوراة.. كاملة على جدران معابد ومقابر المصريين\”، فما الذي يدفع بشعب بزغ الضمير على واديه وآمن بالحياة الأخرى أكثر من إيمانه بالدنيا، فترك لنا حضارة مقابر ومعابد، ولم يهتم بترك القصور التي عاش فيها.. ما الذي يدفعه للثورة ضد ملك شرعي كـ\”إخناتون\” ينادي بإله واحد؟!

أراد إحناتون أن يفرض فكرته بقوة السلطة والسلاح على الشعب، فخاض حربا مع الكهنة, قد يكون الكهنة قد استفحل سلطانهم، ولكنهم – على الأقل- كانوا يحترمون ثقافة التنوع في مصر، واحترام الاختلاف في العقيدة, أما إخناتون فقام بتدمير وغلق المعابد المصرية على اختلاف تنوعها.. اصطدم بهوية المصريين التي تقوم على احترام عقيدة الآخر، ونسى أن الحاكم المصري، حاكم لكل المصريين، فأخذ أتباعه وعشيرته ورحل عن طيبة، وبنى مدينته الجديدة في المنيا، وعاش معه من آمن به بإخلاص، وذهب معها من وجد مصلحته الشخصيه بالقرب من سلطة إخناتون، أي المنتفعين، وعزل نفسه وتعالى على الشعب, فكانت النتيجة سخطا مكتوما من الشعب عما بدا يحل بالبلاد من ضعف, وبدأت حدوده تخترق.

لا نعرف كيف انتهى إخناتون.. هل قتل؟ هل مات؟ ولكن ما نعرفه أنه بعد حكم 17 سنة، كادت أن تسقط مصر فيها.. ثار الجميع عليه ودمروا مدينته وشوهوا آثاره وأسقطوه من قائمة ملوك مصر, والتف الشعب خلف قائد جيش إخناتون \”حور محب\” برغم أنه من عامة الشعب, فهذا شعب لا يرى إلا هويته وحدود دولته التي لم تتغير منذ أكثر من آربع آلاف سنة.

بدأ حور محب كقائد للجيش في عهد إخناتون، ثم لمع صيته في عهد توت عنخ آمون، الذى خلف إخناتون ومات شابا.. تولى حور محب السلطة بعد توت عنخ آمون، وأعاد الانضباط إلى الإدارة الحكومية الداخلية، بعد أن أغرقتها سياسة إخناتون الخاطئة في صراعات دينية، وأفقدت مصر جزءا من إمبراطوريتها التي أسسها تحتمس الثالث, ووضع حور محب تشريعات وقوانين لتنظيم العلاقة بين الفرد والسلطة الحاكمة، وبدأ سلسلة شاملة من الإصلاحات الداخلية للحد من إساءة استخدام السلطة، والامتيازات التي بدأت في عهد إحناتون، لمن والاه في عقيدته, وأعاد السلطات الدينية المحلية.. أي أطلق حرية العقيدة، فأعاد الاستقرار الداخلي للبلاد, وأمن الحدود، واستعان برمسيس الأول كقائد للجيش, الذى تولى الحكم بعده، لتبدأ مرحلة الرعامسة \”الأسرة الـ 19وعصر ازدهار للدولة المصرية من جديد\”.

التاريخ هنا يقول كلمته.. لا تستهينوا بشعب يسقط شرعية ملك شرعي، ويلتف حول حاكم من عامة الشعب.. فقط من أجل الحفاظ على هويته المصرية، وعلى كل حاكم اليوم.

اقرأ الدرس، ولا تراهن على شرعيتك أو قبولك.. هذا شعب لا تضمن ثورته, لأن دين المصريين هويتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top