وليد فكري يكتب: هل يقدر الله أن يخلق إلها مثله؟

لكم دينكم ولي دين (٢٤):

منذ أسابيع كتبت على صفحتي الشخصية بموقع فيسبوك سؤالا: \”لو سألك أحدهم: هل يقدر الله أن يخلق إلها مثله.. بمّ تجيب؟\”
فوجئت بعاصفة من التعليقات الغاضبة الثائرة التي تخللت أغلبها شتائم نابية واتهامات لي بالكفر والإلحاد والرغبة في نشر الضلال!

هؤلاء \”المتحمسون\” للدفاع عن العقيدة لم يكلف أحدهم نفسه عبء البحث في أصل السؤال أو الاستفسار عن مغزاه ومقصده.
حسنا.. هذا السؤال ورد في واقعة ذكرها الدكتور محمد عمارة -الكاتب الإسلامي- في كتابه \”تيارات الفكر الإسلامي\” في سياق حديثه عن المعتزلة وعلم الكلام، حيث وقعت مناظرة في عهد هارون الرشيد بين قوم من شعب آسيوي غير مسلم وقاضٍ مسلم، فسأل كاهن هؤلاء القوم القاضي: \”هل يقدر إلهكم أن يخلق إلها مثله؟\”، فأُسقط في يد القاضي لأنه لو أقر ذلك، فقد قال بالشرك، ولو نفاه فقد نفى كليةً القدرة الإلهية.

فلما علم الخليفة، صاح غاضبا: \”أما لهذا الدين من يناظر عنه؟\”، فنصحه بعض رجاله أن يطرح السؤال على المعتزلة المشتغلين بعلم الكلام -وكانوا آنذاك محظورين ومحبوسين- لعله يجد عندهم الإجابة.

وبالفعل كانت عندهم إجابة حاضرة للسؤال، فكان الرد هو: \”الله يقدر على خلق إله، لكنه لن يكون مثله، لأن الله أزلي قبل بدء كل شيء، وليس مخلوقا، والإله الجديد سيكون قد جرى عليه أن يكون مخلوقا فلن يكون مثل الله\”.

وهكذا أفحم المعتزلة الكاهن، خاصة وأنه كان قبل طرح سؤاله قد أخبر ملك قومه أن المسلمين قوم دينهم هش ضعيف لا يصمد للمناظرات.

وأدركت السلطات العباسية أهمية المنهج العقلي والأطروحات الفلسفية الدينية، فأطلقوا المحبوسين منهم وفتحوا لهم المجال لممارسة منهجهم.

هذا في العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية، واعتقد أن مقارنة سريعة بين تعامل المسلمين آنذاك مع التساؤل سالف الذكر، وتعامل كثير منهم حاليا معه، تبين مدى التدهور والاضمحلال الفكري الذي انحدرنا إليه!
كذلك فإن بين التعليقات التي تلقيتها على كتابتي السؤال، كانت ردودا تحاول إثبات عدم جدوى السؤال من منطلق \”بساطة\” إجابته و\”بديهيتها\”.

ولا أدري عن أية بساطة وبديهية يتحدث أصحاب تلك التعليقات، فإننا لو فرضنا تلقائية تلك الإجابة بالنسبة لنا كمسلمين، فلا يصح عقلا ومنطقا أن نفترض أن لها نفس البديهية عند غير المسلم الذي لا يؤمن بالضرورة بنفس معتقدنا حول مفهوم \”الإله\”.

أيضا فقد تلقيت تعليقات من نوعية:(سأقول له: قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد).

حقا؟ أين الإجابة هنا؟ وكيف تكون الإجابة على سؤال يطرحه رجل لا يؤمن بكتابنا المقدس هي ذكر آيات من هذا الكتاب دون دعمها بالأدلة العقلية بشكل يراعي أرضية نقاشية وفكرية مشتركة بين مختلف الرؤى الدينية؟ (وهو أمر قام أحد الأصدقاء المنتمين للتيار الديني مشكورا بتنبيههم له)
**********

يخطيء من يعتقد أن واقعة السؤال والتعليقات مجرد واقعة عابرة لا دلالات لها وليست وراءها \”دروس مستفادة\”، فتلك الواقعة تنم للأسف عن مدى التدهور الفكري الذي انحدر له العقل المسلم، فلم يعد مرنا متقبلا للأطروحات الفكرية الجريئة، والمناقشات العميقة، والمناظرات الثرية، بل على العكس غلبه الجمود حتى صار متحفزا لأي سؤال، متعاملا معه بتشكك، بل وإدانة مسبقة.

ويحضرني هنا تعليق لفتاة تابعت التعليقات، فقالت بمرارة: \”ما هذا؟ لماذا تلك العدوانية في التعامل مع أية تساؤلات واردة الطرح؟ هل صرنا ننظر لديننا على أنه شديد الهشاشة إلى هذا الحد؟\”

والواقع أنني أشاركها التساؤل بنفس مرارته.. هل صار ديننا في وجداننا الجمعي هشا ضعيفا سطحيا إلى حد التعامل بعدوانية مع كل تساؤل حوله باعتباره \”مؤامرة\” على الدين؟
(يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top