ماذا لو جاءك أناس يدعونك لدينهم، يخبرونك أن إلههم قد أمرهم بالدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يجادلوك بالتي هي أحسن، وألا يكرهوك على دينهم لو لم تقتنع به.. ولكن.. حذار إن قررت اعتناق هذا الدين أن ترى بعد ذلك تركه لدينك القديم أو أي دين آخر، فعندئذ سيكون مصيرك القتل بعد اعطائك فرصة ثلاثة أيام لإرجاعك عن قرارك!
عن نفسي لو أنني في مثل هذا الموقف، فسأرفض دخول هذا الدين، فما الذي يجعلني اعتنق دينا وأبقى عليه تحت طائلة القتل؟ ثم أين الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن في ذلك؟!
لهذا.. أنا كمسلم لست مقتنعا بمسألة قتل المرتد التي يقول بها الكثيرون.. صحيح أنه -على حسب القائلين بذلك- لا يقتل في كل الأحوال، لكن مجرد وجود القتل كنتيجة وإردة -ولو في حالات محددة- هو أمر لا أراه يتناسب مع سماحة الإسلام.
والقول المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم بأن من بدل دينه فاقتلوه، هو في رأيي متعارض بشدة مع صريح الأمر في القرآن الكريم، ألا إكراه في الدين.. لاحظ أن الأمر الإلهي الكريم عام، فـ\”في الدين\” تعني في كل الدين.. وعندما توضع قاعدة صارمة ضابطة لأمر ما، فإنها تشمل ليس فقط الدخول فيه، بل تشمل أيضا الخروج من هذا الأمر.
وردا على ما قد يرد على الذهن من تساؤل حول سبب الحكم بقتل المرتد عن الإسلام في الفترة الأولى من الدولة الإسلامية، فإن التفسير بسيط: في تلك الفترة لم يكن سوى معسكران: معسكر الدولة الإسلامية الناشئة ومعسكر أعدائها، فالمنشق عن أحدهما، كان بالضرورة منضما للآخر، وبالتالي فهو ليس مجرد إنسان قد اختار لنفسه أمرا، بل هو عدو محارب، والعدو المحارب هو ممن يقع عليهم القتل.
لهذا.. فإني في مقابل عدم اقتناعي بقتل المرتد مطلقا، فإني مقتنع بقتله لو انضم لمعسكر العدو، أو ما يوصف بـ\”اللحاق بدار الحرب\”، وحتى في تلك الحالة فإن القتل ليس نتيجة لتغييره دينه، بل لانضمامه للعدو، وهي نتيجة منطقية، ففي زمن الحرب كل منشق عن فئته ومنضم لفئة معادية، هو خائن مستحق للعقاب بغض النظر عن دينه.
لكن ماذا عمن خرج عن اعتناق الدين الإسلامي واعتنق دينا آخر -أو لم يعتنق أي دين- لكنه لم يحارب المسلمين؟ أية جريمة يستحق عليها العقاب؟ ببساطة هو إنسان جد عليه ما جعله لا يقتنع بالاستمرار على هذا الدين، فتركه بهدوء.. لم يرفع على المسلمين سلاحا، ولم يتعرض لهم بأذى، ولم يحاول الاعتداء على مقدساتهم! قولوا لي: إنسان كهذا بأي ذنب يقتل، إن كان لم يقتل نفسا أو يمارس عدوانا أو يحرض عليه؟! وهل يبيح الإسلام قتل من لم يرتكب كل ذلك؟ كيف وهو دين السماحة والرحمة وتقبل الآخر؟!
أليست لكل عقوبة علة متمثلة في تحقيق القصاص لمظلوم، إرضاء لحاسة العدالة، أو ردعا لمن تسول له نفسه ارتكاب جريمة؟
فإن كانت الأولى، فأين العدوان، وأين المظلوم ليتحقق له قصاص كالقتل؟ وإن كانت الأخرى، فإن في القول بهذا إساءة بالغة للإسلام بتقديمه كدين لا يملك في محتواه ما يكفي من مضمون مقنع لمن يعتنقه أن يستمر عليه، فيضطر لتضمين قواعده قاعدة قاسية تهدد من يتركه بالقتل.. هذا ليس دينا إذن! بل عملية احتجاز رهائن! وحاشا دين بعظمة الإسلام أن يكون كذلك!
وحتى لو صدقنا بصحة النصوص المصنفة كأحاديث نبوية شريفة.. القائلة بقتل من بدل دينه، فكيف نحاصر ديننا بالجمود، ولا نراعي في شأنها ضرورات التجديد والتطوير بما يلائم العصر، ومراعاة أن الشريعة عليها أن تكون من المرونة بحيث تناسب كل زمان ومكان؟ وأي بأس في هذا؟ ألم يسقط عمر بن الخطاب رضي الله عنه -وهو من هو غيرة على دين الله- سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة -وهو مقرر بنص قرآني- من منطلق أن الإسلام قد صار قويا بما يكفي للاستغناء عن الحاجة لتأليف قلوب البعض بالمال؟ فكيف تتحلى شريعتنا بتلك المرونة فيما يخص المال، ولا تتحلى بها فيما يمس الأرواح؟!
وختاما للحديث في تلك المسألة، فعزيزي القاريء، أرجو منك فضلا لا أمرا، ألا تسارع لمهاجمتي والتشكيك في ديني ونواياي إذا ما استنكرت كلامي هذا، بل أن تعتبره بمثابة تساؤلات من مسلم غيور على دينه، وأن تسعى لإجابة تلك التساؤلات، علّني إن لم أقنعك، أن تقنعني أنت، من يدري؟!
(يتبع)