وليد فكري يكتب: لكم دينكم ولي دين (18)

منذ بضعة أيام كتبت على صفحتي على الفيسبووك بعض المعلومات التاريخية التصحيحية لمعلومات خاطئة شائعة بين الناس حول مختلف الفترات والعصور..  وتضمن ذلك نفيا مني لما انتشر عن القائد المسلم طارق بن زياد أنه -قبل محاربته جيش القوط في بدايات فتحه الأندلس- قام بإحراق السفن التي نقلته ومقاتليه من الجانب الأفريقي للضفة الأوروبية، وأنه ألقى فيهم خطبة بليغة بدأها بقوله: \”العدو من أمامكم والبحر من ورائكم، فأين المفر؟!\”.

نفيي تلك الواقعة يستند على كتابات كبار المؤرخين، والذين استدلوا على رأيهم بحقيقتين: الأولى هي أن السفن لم تكن مملوكة للمسلمين، بل لحليفهم الأندلسي يوليان حاكم مدينة سبتة، والذي اتصل بالمسلمين وحثهم على غزو الأندلس انتقاما من ملك القوط رودريك، الذي كان يضطهد السكان الأصليين، والذي يقال إنه كان قد اغتصب فلوراندا ابنة يوليان..  وكذلك لأن طارق بن زياد كان من البربر وليس العرب، وكان حديث عهد بالثقافة العربية، فليس من المنطقي أن يلقي خطبة بهذه البلاغة، خاصة وأنه قد وصف مقاتليه فيها بأنهم \”عربان\”،  فضلا عن أن اللغة المستخدمة في الخطبة المزعومة لم يكن أسلوبها شائعا آنذاك.

وبغض النظر عن مدى اتفاق البعض أو اختلافهم مع وجهة النظر هذه، فإنها تبقى في النهاية \”مجرد نظرية تاريخية\” قابلة أن تكون موضوعا للاختلاف والنقاش.

فوجئت بشاب يعلق على كلامي بتوجيه السباب لي، لماذا؟! \”غضبا للدين\” على حد قوله! ماذا؟!!  وما علاقة الدين بما قلت؟ وأي مساس به في قولي؟! كان رده أنني اتناول واقعة جاء ذكرها في كتب الفتوحات، بالتالي فنفيي لها يعد تطاول على الدين! لا حول ولا قوة إلا بالله! أصحاب العقول في راحة حقا!

بغض النظر عن أن هذا الشاب قد خالف آداب الاختلاف في الدين الذي يدعي الغضب له، وأنه فيما يبدو من ضحايا أولئك الذين يخلطون التاريخ بالدين، فينتجون خطابا مشوها لا يمت بصلة لا لهذا ولا ذاك… فقد استفزني تبريره التطاول عليّ، فرددت عليه من كتب كبار المؤرخين ومنهم أسماء لها ثقلها \”دينيا\” مثل ابن كثير والطبري -رحمهما الله- بل وأضفت لردي معلومة يبدو أنها كانت غائبة عنه، وهي أن د. راغب السرجاني نفسه -رغم عدم اعترافي به كمشتغل بالتاريخ- قد نفى الواقعة سالفة الذكر ولنفس أسباب نفيي لها، وأضفت قائلا له: \”روح بقى اشتم الشيخ غضبا للدين، عشان ما أحسش إن الموضوع فيه انتقائية أو واسطة\”!

بلى.. فمثل هذا الشاب -الذي بدا من أسلوب حديثه ومحتوى صفحته أنه من المنحازين لما يوصف بالتيار الديني- لا يهاجمون إلا من هو \”ليس منهم\”، فهم ممن يعرفون الحق بالرجال وليس العكس! جدير بالذكر أنه لم يرد على تعليقي واختفى تماما!

هذا الموقف جعلني أعيد طرح تساؤل كنت قد طرحته من قبل: لماذا خلال أكثر من سبع سنوات من الكتابة، كانت أكثر الإساءات والتطاول وقلة الأدب آتية من طرف من ينتمون لهذا الجانب -أعني التيار الديني- مقابل نسبة أقل بكثير من المنتمين لغيره أو اللامنتمين على الإطلاق؟

ربما يفسر البعض ذلك بأن أكثر من اختلف معهم هم من أهل هذا التيار، ولكن هذا التفسير مردود عليه بأنني أخالف فئات كثيرة، فأنا ليبرالي أخالف كل من الاشتراكيين والشموليين، وأنا مؤمن بالسوق الحر المفتوح، وهذا يخالف أصحاب الفكر الاشتراكي، كذلك فأنا لست من المؤمنين بالحلول الثورية على طول الخط، وهذا يخالف اليساريين، ومع ذلك فإنني لا اتعرض للتطاول من جانب كل هؤلاء، كما اتعرض له ممن يوصفون بـ\”المتدينين/الإسلاميين\”..  فما السر؟

تعالوا أذكر لكم بعضا مما ألفت التعرض له من هؤلاء:

– اتهام ومزايدة في الدين بلغ أحيانا حد الطعن في العقيدة.

– إهمال للرد على محتوى كلامي واستبداله بالهجوم على شخصي.

– استهزاء وسباب.

– قذف للعرض، بالذات لعرض أمي -حفظها الله- بألفاظ وأوصاف مريعة، بلغ بعضها مستوى \”أنت ابن متعة\”، أو \”من سفح بأمك فجاء بك؟\”

– تهديد ووعيد.

المثير للتأمل أن هذه الأفعال لا توجه لي وحدي، بل يعانيها كثير ممن \”يجرؤون\” على مخالفة هؤلاء القوم في الرأي والموقف.

أنا لا أتساءل عن الأسباب، فسوء الخلق أمر لا يحتاج لكثير تفسير، ولكنني أتساءل عن مبرراتهم هم أنفسهم لسلوكهم هذا المسلك مع مخالفيهم.

أتساءل كذلك عما ينتظرونه نتيجة لهذا الأسلوب، هل يتوقعون أن يبهتني قولهم ويفحمني، ويجعلني ارتدع عما يعتبرونه مخالفة للدين؟

ومن ناحية أخرى، هل يعتقدون أن لديهم نوعا من الحصانة من الحساب الديني على السب والقذف والتطاول فقط لأنهم هم؟!

إن هذا المسلك منهم مستفز جدا، ليس لكونه يمثل إساءة أخلاقية، بقدر ما هو مستفز للعقل ليتساءل: كيف يفكر هؤلاء عندما يقررون \”التعامل\” مع رأي مخالف لهم؟ ما هو منطلق هذا السلوك؟

يتحدثون كثيرا عن التربية الإسلامية.. أين التربية وأين الإسلام؟ كيف يتلقى هؤلاء تربيتهم وإسلامهم؟

أرجو لو وقع هذا المقال بين يدي بعضهم، أن يحاول ضبط نفسه، وأن يقدم لي الإجابات عن تلك التساؤلات من زاويته التي يرى منها الأمور.  وليؤجل السب والقذف والتهديد لما بعد تقديمه الرد، لعلي أفهم آلية عمل ذلك الشيء الذي يقبع برؤوسهم ويوصف بأنه \”العقل\”.

هذا عن مبرراتهم.. أما عن تفسيري أنا لهذا المسلك، فللحديث بقية بشأنه.

(يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top