وليد فكري يكتب: لكم دينكم ولي دين (14)

\”نحن خير أمة خلقنا الله لنسود العالم وننشر دينه في أرجائه، وما باقي البشر إلا متآمرون علينا يبغضوننا ويحسدوننا لما نحن فيه من نعمة الإسلام ويكرهوننا فقط لأننا نحن، ويريدون أن يخرجونا من ديننا أو أن يبدلوه فقط لأنهم هم!\”

أولا، ارجو من القاريء أن يبحث عن \”عقدة الماسادا\”.. حبذا لو في كتابات الراحل الرائع دكتور عبدالوهاب المسيري..  الماسادا باختصار شديد هي قلعة قديمة في أرض فلسطين -الأردن حاصر فيها الرومان بعض الثوار اليهود حتى اضطروهم لقتل بعضهم بعضًا.. ومن هنا نشأت عقدة هي \”الماسادا\” أو \”عقدة الإحساس الدائم بالحصار وبتآمر الآخر علينا\”.. حسنًا.. العبارة التي افتتحت بها هذا المقال هي تعبير عن عقدة الماسادا الراسخة في أذهان قطاع كبير من المسلمين.

قبل أن أنقد هذه الفكرة دعوني أعيد عليكم تدوينة كتبتها بتاريخ 11 سبتمبر 2012 في إطار الرد على هوجة \”الغرب الكافر المتأمر الحاقد على الإسلام\”، والتي اندلعت -وهي ليست أول ولا آخر مرة تندلع- بعد عرض بعض المتعصبين من أقباط المهجر فيلمًا مسيئًا للرسول عليه الصلاة والسلام.

التدوينة:

\”إن حديثنا -معشر المسلمين- عن ديننا الإسلام بالخير هو أمر منطقي وبديهي، فكل أهل دين يرونه الأفضل والأعظم والأصح وإلا ما اعتنقوه دون غيره، وهو أمر لا يتعارض مع تقبل الآخر واحترام ما يعتنقه ويؤمن به ويؤمن بدوره أنه -دينه- الأصح والأعظم بين الأديان.

ولكن الشهادة الأقوى للإسلام هي تلك الصادرة عن غير المسلمين من المفكرين والمؤرخين الذين اطّلعوا عليه وعلى قرآنه وسيرة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وتواريخ دوله وحضارته التي استمرت لنحو ثمانية قرون.

هؤلاء لا هم مسلمون فنقول انحازوا لدينهم، ولا هم عرب فنقول راعوا الوحدة الوطنية، ولا هم طامعون في مكسبٍ يأتيهم من المسلمين فنقول باعوا شهادتهم بالمادة، بل والمُلاحَظ أن شهاداتهم جميعًا كانت في عصر تحكم فيه دولهم العالم بينما تعيش دول الإسلام عصر اضمحلالها وتدهورها..لا دافع إذن لشهادة هؤلاء المفكرين الثقات إلا ما رأوا أنه عين الأمانة العلمية والصدق أمام النفس وأمام الناس.

تعالوا إذن نتأمل بعض ما قالوا عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم، والمسلمين.

\”إذا ما قيست الرجال بجليل أعمالهم كان محمد من أعظم من عَرَّفهم التاريخ..والتعصب الديني هو الذي أعمى بصائر مؤرخي الغرب عن الاعتراف بفضل محمد\”

\”تُشتَق سهولة الإسلام العظيمة من التوحيد المحض، وفي هذه السهولة سر قوة الإسلام، والإسلام خالٍ مما قد نراه في بعض الأديان الأخرى ويأباه الذوق السليم من المتناقضات والغوامض، ولا شيء أكثر وضوحًا وأقل غموضًا من أصول الإسلام القائلة بوجود إله واحد وبمساواة جميع الناس أمام الله وببضعة فروض يدخل الجنة من يقوم بها ويدخل النار من يعرض عنها..وإنك إذا ما اجتمعت بأي مسلم من أية طبقة لرأيته يعرف ما يجب عليه أن يعتقد، ويسرد لك أصول الإسلام في بضع كلمات سهلة.\”

 

\”الإسلام من أكثر الأديان ملاءمة لاكتشافات العلم، ومن أعظمها تهذيبًا للنفوس وحملاً على العدل والإحسان والتسامح\”

(المستشرق والمؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون -كتاب: حضارة العرب)

\”إن الإسلام هو -بلا شك- أعظم ديانة على وجه الأرض سماحةً وإنصافًا.. أقولها بلا تحيز، ودون أن أسمح للأحكام الظالمة أن تلطخه بالسواد، إذا ما نحينا المغالطات الآثمة في حقه والجهل البحت به، فإن علينا أن نتقبل هذا الشريك والصديق مع ضمان حقه في أن يبقى كما هو.\”

(المستشرقة الألمانية د. زيجريد هونكه- كتاب: الله ليس كمثله شيء)

\”لا إكراه في الدين.. هذا ما أمر به القرآن الكريم.. وبناء على ذلك فإن العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والمجوس واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة التعصب الديني وأفظعها سُمِحَ لهم جميعًا -دون أي عائق يمنعهم-بممارسة شعائرهم الدينية، وترك لهم المسلمون بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى..

أوليس هذا منتهى التسامح؟\”

\”لم تكن المساجد مجرد أماكن تؤدى فيها الصلوات الخمس فحسب، بل كانت منبرًا للعلوم والمعارف، كما ارتفعت فيها كلمات الرسول فوق التدين الأعمى.. ألم يقل محمد أقوالاً كان يكفي أن يقولها في روما ليُحاكَم عليها بتهمة الهرطقة؟!\”

 

(زيجريد هونكه-كتاب:شمس العرب تسطع على الغرب)

\”الإسلام المتحجر خرافة غربية سارية ومتكررة لم تتولد عن حقائق التاريخ الإسلامي أبدًا\”

(الباحث الأمريكي جون لويس إسبوزيتو-كتاب:الخطر الإسلامي..خرافة أم حقيقة)

\”في شخصية محمد النموذجية دروس مهمة ليس فقط للمسلمين ولكن أيضًا للغربيين.. حيث كانت حياته كلها جهادًا -وهذه الكلمة لا تعني الحب المقدسة- ولكنها تعني الكفاح.

كدح محمد بكل معاني الكلمة ليجلب السلام على العرب الذين مزقتهم الحروب، ونحن نحتاج اليوم لمن هم مستعدون لعمل ذلك!\”

\”كانت حياته -محمد- حملة لا تكل ضد الطمع والظلم والتكبر.\”

\”لم يحاول محمد أن يفرض معتقدًا دينيًا تقليديًا، ولكن اهتمامه الأكبر كان تغيير قلوب وعقول الناس، كان يطلق على الروح السائدة في ذلك الوقت \”الجاهلية\”، فهم المسلمون قصده بها \”زمن الجهل\”، ولكن محمد لم يستخدم تعبير \”الجاهلية\” لوصف زمن معين، بل لوصف حالة عقلية معينة تسبب العنف والإرهاب.. إنني أؤكد أن هناك أدلة أن الجاهلية تعيش في الغرب اليوم!\”

\”لا يمكننا فهم إنجازات محمد إذا لم نُقَدِّر ما كان يعمل ضده.\”

\”لدينا في الثقافة الغربية تاريخ طويل من الرعب من الإسلام -الإسلاموفوبيا- يرجع لأيام الصليبيين، فقد صمم رهبان  مسيحيون في أوروبا من القرن الثاني عشر أن الإسلام دين عنيف انتشر بالسيف، وأن محمد كان دجالاً فرض دينه على العالم بقوة السلاح، وكانوا يسمونه فاسقًا ومنحرفًا جنسيًا.

اصبحت هذه القصة المشوهة عن النبي واحدة من الصور النمطية المقبولة في الغرب، ومنذ تدمير مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001، استمر أعضاء في اليمين المسيحي بالولايات المتحدة وبعض قطاعات الإعلام الغربية في هذا العداء التقليدي، مدعين أن محمد كان مدمنًا للحرب بطريقة يصعب شفاؤها، وبعضهم تمادى واتهمه أنه كان إرهابيًا ومحبًا للأطفال جنسيًا!

لا يمكننا أن نتحمل إطلاق العنان لهذا النوع من التعصب الأعمى! لأننا بهذا نقدم هدية للمتعصبين الذين يستخدمون هذه الأقاويل لإثبات أن الغرب في حالة حرب صليبية جديدة ضد العالم الإسلامي.\”

(الباحثة والمفكرة الإنجليزية كارين أرمسترونج-كتاب:محمد نبي لزماننا)

**********

هذه عينة بسيطة جدًا مما قال بعض أشهر مفكري الغرب، والسؤال الآن: أليس هؤلاء من المفكرين الثقات وأصحاب الآراء الذين يحق لهم إذا قالوا أن يُسمَعوا وإذا أبدوا رأيًا أو تعليقًا أن يتم تخاطفه وتحليله والتعمق في التفكير فيه؟

لماذا إذن يتعمد البعض تناسيهم وتجاهل آرائهم وشهاداتهم بحق الإسلام ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه حين يتناولون ديننا ونبينا بالبحث والنقد؟

 

إن المنهج \”الانتقائي\” في التعامل مع آراء المفكرين والمتخصصين إنما هو على الطرف المتناقض تمامًا مع المنهج الحيادي المرتبط بالأمانة العلمية. و\”الانتقائية\” هي الخادم المطيع لسيد واحد بغيض: التعصب.

واعتقد أن من نافلة القول أن أقول إن التعصب هو من آفات العقل والأخلاق، فلا مجال للثقة في أمانة من يحركه تعصبه ولا حتى في سلامته العقلية والفكرية.

أنا لا أريد أن أفرض وجهة نظر معينة على القاريء العزيز.. فقط أرجو أن يعيد قراءة اقتباساتي من تلك الشخصيات الشهيرة الموثوق منها علميًا، وأن يسأل نفسه سؤالاً واحدًا في ضوء ثقته بها: \”ما الذي رأى هؤلاء في الإسلام ونبيه والمؤمنين به، فجعلهم يقولون ما قالوا ويبذلون الجهد لوضع كتب كاملة لدفع الإساءة عنهم؟\”

اعتقد أنه سؤال يستحق التفكير.\”

انتهت التدوينة.

هذه عينة من بعض آراء بعض كبار مثقفي \”الغرب المعادي للإسلام\”، وحتى استكمل حديثي في الحلقة القادمة -بإذن الله- فإنني ارجو من أصحاب هذا المعتقد أن يجيبوا سؤالي: ما الذي يمكن أن يدفع هؤلاء لكتابة مثل هذا الكلام الإيجابي عن الإسلام إن كان \”الآخر غير المسلم\” كله متآمر علينا؟

(يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top