وليد فكري يكتب: لكم دينكم ولي دين (11)

لدينا مشكلة كبيرة اسمها \”الغلط في البخاري\”، وأعني بذلك المشاحنات المستمرة حول كتاب \”صحيح البخاري\” للأحاديث المنسوبة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.. فبين من يتعصبون لهذا الكتاب ويصنفونه كـ\”أصح كتاب بعد القرآن الكريم\”، ومن يهاجمونه، بل ويهاجمون البخاري نفسه ويرمونه بالكذب والتلفيق، نجد أنفسنا في حالة تشتت و\”توهان\”.

عن نفسي موقفي كالآتي:

الإمام البخاري رجل اجتهد لأجل غرض علمي معيّن، بذل قصارى جهده في حدود قدراته البشرية العامة وقدراته الشخصية الخاصة لتحقيق هذا الغرض، وهو جمع الأحاديث النبوية الشريفة وتحقيقها.. وكان رجلًا مشهودًا له بالصدق والأمانة والدقة العلمية.. هذا عن الرجل.

لا داعي إذن لرميه بالباطل بغير بيّنة.

ماذا عن الكتاب؟

بصراحة أنا أرى مسألة وصف أي عمل بشري بأنه \”أصح عمل بعد القرآن\” فيها شطط ومبالغة شديدة.. وبالتالي فإن اعتبار إنكار بعض أو كل محتوى هذا الكتاب كإنكار بعض أو كل محتوى القرآن.. هو شطح ما بعده شطح، ومجاوزة لكل حدود المعقول والمقبول فيما يتعلق بالدين.

مع كامل احترامي للمجهود العلمي الذي بذله الإمام البخاري، ولكنه بشر، وما جمعه كلام بشر، تناقله بشر -بتواتر أو بغيره- ولو فرضنا أنهم جميعًا صادقون فعلى الأقل دعونا نراعي هامش الخطأ البشري سواء كان راجعًا لنسيان أو اختلاط للكلام أو سهو أو أي عارض مما يعتري الإنسان. بالتالي فإن افتراض صحة نسب كل ما يحتويه هذا الكتاب للرسول صلى الله عليه وسلم هو خروج عن القدرات البشرية الطبيعية.

لن أضيع الوقت في الكلام عن أن بعض الأحاديث المصنفة \”صحيحة\” تحتوي ما يخالف العقل والمنطق، بل وما أراه يخالف الدين نفسه، فهذا مما تحدث فيه الكثيرون، ولكني أتناول المبدأ نفسه، مبدأ تحصين وتقديس عمل \”بشري\” إلى حد اتهام من يرفضه في دينه واتهامه بازدراء الدين، بل وربما بالكفر ببعض الدين.

بحق الله، بأي منطق نقارن كتابًا من أوله لآخره نتاج مجهود بشري، بكتاب منزل مباشرة من الإله بوساطة رسول من الملائكة -لا يملك أصلًا خيار معصية الله- على رجل إصطفاه الله تعالى من دون ملايين البشر ليكون خاتم الرسول ومكمل الدين؟ بصراحة لو أنني كمسلم تركتُ العنان لمشاعري لقلتُ إن هذا القول هو عين ازدراء الدين والإساءة له، بل وأزيد فأقول إني أرى في هذا إساءة للأدب مع الله برفع كتاب بشري لمستوى قدسية يقارب القرآن الكريم.

وربما قال البعض \”لو كنت ترفض تصديق (كمال) كتاب صحيح البخاري فكيف تصدق (كمال) القرآن بنصوصه التي وصلت إلينا؟\”

هؤلاء أجيبهم بأن القرآن يندر أن تجد فيه ما يناقض نفسه أو ما يناقض عقل الإنسان المسلم المتقبل لحقيقة أن هذا الكتاب هو \”كتاب الله إلى البشر\”، أما كتاب \”صحيح البخاري\” فهو مما ترد فيه مثل تلك الأحاديث التي يحس قارئها أحيانًا أنها \”لا تليق\” بالدين.

لهذا فإنني أتعامل مع كتاب الإمام البخاري -وما شابهه- بطريقة \”لا أقبله كله ولا أرفضه كله\”، بل أمرر كل ما فيه على عقلي وأرى هل يقنعني أم لا؟ طبعًا أصحاب منهج رفض إعمال العقل أولئك الذين يؤمنون بترديد \”سمعنا وأطعنا\” دون فهم سيرفضون هذا المنطق.. وهؤلاء لا أرى في مناقشتهم إلا إضاعة للوقت.

بينما بين من لا يتفقون معي في وجهة نظري سالفة الذكر من لوجهات نظرهم بعض الاستحقاق للنظر، ولهؤلاء احترامي طالما أنهم لا يطعنون في دين من يخالفهم الرأي ولا يحاولون قمعه.

والسؤال الآن: أين فيما سبق ازدراء الدين أو إهانته؟

(يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top