وليد فكري يكتب: قلة الأدب في سبيل الله!

لكم دينكم ولي دين (٢١):

من يذكر المدعو \”عبدالله بدر\” صاحب الفيديو الشهير المليء بالـ\”يا روح أمك\” والـ\”شوية أوساخ\”، وصاحب المقولة الشهيرة للفنانة إلهام شاهين \”كم واحد اعتلاكي؟\”؟
في نهاية الفيديو إياه، والذي كان يخاطب فيه بعض حضور درسه بالمسجد قال: \”إحنا مع الله\”.

سبحان الله.. الرجل سب ولعن وقذف وتحدث في بيت الله فيما يوصف أنه درس للدين، مستخدما نبرة سوقية وعبارات على غرار \”يا روح أمك\” و\”اللي يبص لنا نخرم عينه\”، ثم يقول بثقة يحسد عليها \”إحنا مع الله\”!

من هذا المنطلق يمارس هؤلاء قلة أدبهم مع غيرهم، فهم مقتنعون بمعادلة بسيطة: أنا أدافع عن الدين (ما يعتقدون أنه دين)، وأنت تنتقد هذا الدين (مرة أخرى ما يعتقدون أنه دين).. إذن أنا مع الله، وأنت ضده.. إذن فمن حقي أن أسبك وأتطاول عليك غضبا لديني وردعا لأمثالك.. سأقذف عرضك وعرض أمك، وأتهمك في دينك، وأستخدم معك أعتى الألفاظ، ثم سأستنكر غضبك وردك بالمثل، لأنني أدافع عن الدين، بينما أنت تهاجمه، فمن حقي أن أقل أدبي بحقك، بينما ليس من حقك الرد.

بهذا المنطق يفكر هؤلاء السفهاء.

بالمناسبة.. أنا لا أدعي لنفسي تهذيبا شديدا، أو أنني لا أتفوه بـ\”القباحة\”.. بالعكس أنا معروف أني في مساحاتي الخاصة \”لساني فالت\” و\”قبيح\”، لكن حتى مع هذا، فإنني شديد الصرامة في منع نفسي من التطاول على شخص بسبب توجهه الديني أو اختلافه معي.. إلا لو كان التطاول والتحريض من جانبه هو أولا.. كذلك ثمة خط أحمر في منطقة الأعراض.

ما المشكلة في أن أختلف معك في رؤية دينية سواء عقائدية أو شرعية أو تعبدية؟ هل رأيتني قد توجهت إليك وحاولت أن أفرضها عليك أو على غيرك؟

وأنت إن حاولت مناقشتي باحترام ورد الحجة بالحجة، أليس ذلك أجدى وأكثر عملية من أن تكتفي بالسباب والتطاول؟

أنا أخبركم لماذا يستسهل هؤلاء قلة الأدب في مواجهة من يخالفهم الرأي في الأمور الدينية.. ببساطة لأنهم جهلة.. هم لا يعرفون عن الدين سوى قشور، جمعوا تلك القشور ومزجوها ببعض العبارات النمطية التي يحفظونها ولا يفهمونها.. ثم غلفوا هذا المزيج ببعض الحماس الأعمى وكليشيهات التكبير والتهليل والغضب للدين.. أين الدين من كل هذا؟ لا يوجد.. يوجد فقط حمير يحملون أسفارا!

هم يريدون أن تكون لهم قيمة دينية.. المشكلة أنهم كجهلة يستثقلون المجهود المبذول في التعلم والبحث والنقاش، فينجذبون للنماذج الدينية الجاهزة لـ\”المجاهد، المدافع عن الدين، الرادع لأعداء الإسلام\”، (وهو النموذج الأكثر تسويقا من قبل المتعصبين ممن يصفون أنفسهم بالشيوخ) باعتبار أنه نموذج سهل لا يحتاج سوى بعض الحماس وبعض الشدة، ولأن الجهاد بالنسبة لهم هو غلظة وشدة فحسب (كما لو كان هذا المجاهد مجرد بلطجي يدافع عن منطقة نفوذه) فهم ينطلقون في الأرجاء -بالذات في العالم الافتراضي لأنهم عادة ما يكونون بلا قيمة حقيقية في العالم الواقعي- ويمارسون \”الصيد\” لمن يستشعرون أنه يعادي الدين (اعتقد أنني قد أوضحت مفهوم \”الدين\” عند هؤلاء) وينطلقون في ساحته سبا وتطاولا وربما قذفا للأعراض لـ\”يردعوه\” عن \”غيه\”.. وحبذا لو كان هذا الـ\”عدو الله\” في الحياة الواقعية شخصا ناجحا أو صاحب مركز علمي أو ثقافي أو مهني محترم، فإنهم يتمادون في قلة أدبهم معه ليشبعوا مركبات النقص الكامنة في أعماق لاوعيهم.

وبينما سبهم وقذفهم لك ولدينك ولعرضك، يعتبر في نظرهم \”غلظة على أعداء الدين\”، فإنك إن رددت التحية بمثلها، فستجد استنكارا لكونك تتطاول على أناس يقولون ربنا الله! وإذا كنت قويا في ردعهم، فغالبا ستجدهم قد ارتدوا \”قناع المسكنة\”، وواجهوك بكلام من نوعية \”لن ننحدر إلى هذا المستوى\”، وغالبا سيختمون الـ\”حوار\” بقولهم لك: \”سلاما\”! باعتبار أنك من الجاهلين الذين إذا خاطبوا عباد الله، قالوا لهم \”سلاما\”! من الآخر سيمارسون معك \”الردح بالقرآن\”، وهي لعبة قديمة رخيصة اعتادوها.

هؤلاء القوم لا تضيع الوقت في مناقشتهم.. صدقني.. لا تحاول مناقشة أو محاورة أي منهم ردا على تطاوله، إلا لو كان \”يخصك\”، أو بدا منه ما ينبيء بأنه قابل للإصلاح، أما من سوى هاتين الحالتين، فلا تضع وقتا، واردعهم بكل ما لديك.

يجب أن يعلم هؤلاء السفهاء أنهم إن سبوا بكلمة، فسيتلقون الرد بعشرة، وإن تطاولوا ذراعا، تطاولنا باعا.. ففي هذا ردع لهم.. ولا يجتريء السفيه على أهل العقل، إلا لظنه أنهم لا يستطيعون ردعه، بحجة أنهم \”لن ينحدروا لمستواه\”، فاردعوهم، ورحم الله من أراهم من نفسه قوة!
(يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top