\”الطويلة\”.. لقب سمعته في طفولتي وصباي، أكتر مما سمعت اسمي.
في مجتمع مريض وبيمرضنا.. مجتمع استطاع أن يشوه كل شئ.. مجتمع يحول مزايانا لعيوب.. يهين جسدنا بدلا من أن يفهمنا كيف نحترمه.. يفقدنا ثقتنا في أنفسنا تحت مفهوم التربية, كان كل عيبي في طفولتي أنني \”طويلة\”!
لما اتولدتي وجابوكي ليا، قلت لهم: لأ.. دي مش بنتي. أنا لسه مخلفة حالا.. مين \”الطويلة\” دي؟!
دي قصة أمي عن لحظتنا الرومانسية الأولى، وأول نظرة منها لابنتها البكرية!
أمي التي حزنت جدا، ولم تسامحني لأنني حرمتها من استخدام ملابس حديثى الولادة الشيك قوي، اللي داخت واشترتهم وما تلبسوش، واضطرت تلبسني لبس اللي فوق الشهرين، لأنني \”طويلة\”!
كل من حولي كان يستهجن عندما اقوم بأفعال الطفولة العادية، وكان الرد دائما: \”عيب على طولك\”.. صحيح \”طويلة وهبلة\”، دون أي ذكر أو عذر أن هذه الهبلة هي مجرد طفلة، لكنها \”طويلة\” بعض الشيء.
في المدرسة.. كان لقبي المشهور \”الطويلة\”، فهذا اسمي عند مدرسيني وعند تلاميذ باقي الفصول، وبالطبع كان مكاني في المقاعد الخلفية، وفي آخر الطابور، فهذا عقابي الذي استحقه لكوني \”طويلة\”.
تعليقات أصدقاء أهلي على طولي، وأنني ابدو أكبر من سني، دفعتني للكذب دوما.. عند سؤال أي غريب لي: عندك كام سنة؟ اصبحت – تلقائيا- ازود 3 سنين على عمري، كي اهرب من التعليق المحرج والدائم.
المأساة الحقيقية كانت عند نزولي مع أمي لشراء ملابس جديدة، ورؤيتي حسرة تحاول أن تخفيها في عينيها عندما تفشل في ايجاد ما يناسبي من مقاسات الأطفال، واصبحت منذ كنت في سنتي الخامسة الايتدائية تشتري لي مباشرة من ملابس الكبار، وعندما وصلت للسنة السادسة من المرحلة الابتدائية، اصبحت اتبادل الملابس مع اختي التي في عامها الثاني الجامعي.
كان الطول في طفولتي هو كل مشكلتي.. كم صليت لله وأنا ابكي وادعو: \”يارب ادخل لجوه\”.. كم من المرات أخذت في النط من فوق السفرة لعلي اقصر – كما تهدد جدتي دائما ابن خالتي كي يتوقف عن التنطيط- حتى إنني حلمت وأنا في الصف الرابع الابتدائي بكابوس لم انسه، بأنني سأظل اطول اطول حتى إنني سأقف في بلكونة بيتنا في الدور الأول، وانحني لاحضر شيئا ما من الشارع.
في فترة الإعدادي.. توقف طولي -وحتى الآن- على \”170\” سم، وهو الطول المتوسط الطبيعي للنساء، وهنا رضى عني المجتمع، وسحب مني لقبي، واعاد إليّ اسمي، لكن لم يفارقني إحساسي بأنني \”طويلة\”، فمازلت منحنية، ومازلت لا ارتدي الكعوب العالية، ومازلت مع أي هفوة مني، اخاف أن اسمع من يصرخ في وجهي: \”عيب على طولك\”.