وسيمة الخطيب تكتب: قاللك.. الراجل والست ست

\”أنت راجل متعيطش\”.. \”أنت بنت متضحكيش بصوت عالي\”.. \”أنت راجل لازم تحمي أختك\”.. \”انت بنت مينفعش تتأخري بره البيت\”.. \”الولد كبر وبقى راجل وبيحب\”.. \”البنت المؤدبة متصاحبش أولاد\”.

تلك نماذج من عبارات التمييز التي تربينا عليها، وسواء رفضناها أو قبلناها، تظل هي ومثيلاتها جزءا من أفكارنا المغلوطة التي نشأنا عليها، والتي – برغم أنها قتلت رفضا وبحثا ومناقشة- إلا أنها مازالت تعيد بناءها بيننا رغما عنا، وما زلنا نناقشها حتى الآن بلا إيجاد حلول لها.

ذلك التمييز الذي أثر سلبا على فطرتنا الإنسانية.. نشأ الرجل بمقتضاه على منعه من التعبير عن مشاعره، ونشأت المرأة بمقتضاه على قمع الاعتزاز بأنوثتها، حتى باتت الذكورة والأنوثة عبئا عليهما، بدلا من تعاطيهما باعتبارهما جزء من تكوينهما الإنساني.

ذات يوم كنا مدعويين إلى حفل عائلي بسيط بمناسبة خطبة أحد أفراد العائلة، وكانت ابنتي ترتدي ثوبا كاشفا جميلا، وبدت فتاة جميلة على أعتاب المراهقة، وأخذت تشارك قريناتها في الرقص.. اقترب منها فتى من المدعويين يلقي عليها تحية مهذبة مثنيا على أناقتها ورقتها وبأنها أصبحت فتاة كبيرة جميلة.

لم يكن من أبي سوى أن جذبها بهدوء – هامسا- أن تجلس بجواره، ناصحا إياها بأن عليها ألا ترتدي ثيابا كاشفة بعد اليوم، فقد كبرت وشد جسدها وصارت مطمعا، ولا يجب أن تسمح لأحد بأن يجاملها بهذه الطريقة.

ابتسمت هي وجاوبته ببساطة أدهشتني: وإيه المشكلة يا جدو، لما حد يقول لي إني جميلة، وإيه المشكلة إني البس الفستان.. أنا لابساه أصلا علشان يبين جمالي.

فلما جاوبها بأنه يخشى عليها أن يضايقها أحد فردت: ما أنا اقدر أمنعه يضايقني، أحسن ما احرم نفسي إني البس الفستان أو اخاف منه.

توقفت عند إجابة الفتاة للحظة.. إنها قد دافعت عن أنوثتها ببساطة وقوة يليقان بمراهقة.. تذكرت تلك الجونلات المزهرة القصيرة، التي كان يهديني أياها أبي والفساتين الملونة القصيرة التي ما إن ارتديها حتى ينبري أخي الأكبر ويمنعني من الخروج بها خارج المنزل، وكان أبي يوافقه رغم إعجابه بها!

كم حيرني موقف أبي وأصابني كثيرا بخيبة الأمل، وكنت كلما اناقشه في الأمر، برر موقفه بأن أخي يخشى عليّ، ويتعلم كيف يمارس رجولته، وكذلك برغم جرأة أبي وعقله المنفتح واحترامه لقيم الحرية والمساواه والعدل، إلا أنه كان يرى بأن علينا أن نوائم المجتمع الذي نعيش فيه وننتمي إليه.

 

لم أقتنع يوما بمبرراته، وأكاد أجزم أنه أيضا لم يكن مقتنعا بها، إلا أنه – لعله- رغم تمرده أشفق علينا أن نواجه رفض المجتمع، أو لعله كان يحمل داخله نفس مخاوف أخي باعتباره ذكر نشأ على نفس القيم التي ترى في الطفلة مشروع أنثى يجب تحجيمها.

لم يكن يشغلني كثيرا – وقتها – أن ارتدي ما يحلو لي، بقدر ما شغلني أن لأخي الحق في ارتداء ما يريده وفي التأخر خارج المنزل، ولا يحق لي ذلك لمجرد أنني فتاة، وهو صبي.

لفت انتباهي عند سماعي لابنتي وهي تحاور جدها، أنني لم يشغلني يوما الدفاع عن أنوثتي باعتبارها حق لي، بقدر ما انشغلت بأن أحصل على مزايا أخي الذكر.

الآن فقط أرى أن المزايا التي تمتع بها الذكر في صباه، أصبحت عبئا نفسيا أضر بمفهوم الرجولة عنده وأضر بفطرته.. تلك المزايا التي جعلت منه إنسانا لا يستطع التعبير عن مشاعره بحرية وأورثته عبئا غير واقعي، فالمجتمع يفرض على الرجل حماية امرأته، في حين أن الواقع يقول إنه غير متواجد معها في الجامعة أو العمل أو النادي، وأنها تواجه المجتمع بنفسها، فلا نجد إلا أنه يقمعها حتى يرضى عنه المجتمع ويشعر هو أنه مقبول إجتماعيا.

لعلنا نجد حلا بسيطا وواضحا لأزمة التمييز الجنسي، كما وجدته تلك الفتاة ابنة هذا الجيل التي قررت أن تدافع عن أنوثتها بدلا من أن تسعى للحصول على مزايا الرجل.. لعل الحل في إعادة صياغة قبولنا للذكورة والأنوثة باعتبارهما أمر عادي، ومرحلة يمر بها الإنسان ببساطة دون تحميلهما عبء لا معنى له، يصّعب علينا الحياة بدلا من الاستمتاع بهما.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top