أثارت قضية \”أحمد ناجي\” وروايته \”استخدام الحياة \” جدلا اجتماعيا واسعا، شمل عدة أوجه للنقاشات والخلافات، منها جدلية \”هل تقبل أن يقرأ ابنك أو ابنتك المراهقين رواية تحمل لغة فجة وألفاظا جنسية صريحة كما في رواية أحمد ناجي؟
استوقفني كثيراً ذلك السؤال، ليس لأهميته، بقدر ما يحمله التساؤل من استنكار لم يكن مفهوماً لي تماماً.. في ظل الانفتاح المعلوماتي غير المسبوق على كل الأصعدة، بالإضافة للفجاجة الإعلامية المحيطة بنا عبر الفضائيات.
واجهنا مناقشات حادة وقطعية من آباء وأمهات استنكروا أن يقرأ أولادهم – خاصة المراهقين منهم- كتابات تحمل أسلوبا فاضحا، كما في رواية \”استخدام الحياة\”، معللين ذلك بأنه لا يجوز للمراهقين معرفة تلك الألفاظ والأوضاع الجنسية أو تداولها فيما بينهم، متناسين أن أولادهم يستخدمون بالفعل تلك الألفاظ فيما بينهم، كما أنه من السهل عليهم التعرف على الأوضاع الجنسية من خلال شبكة المعلومات العامرة بفيديوهات إباحية وأخرى تثقيفية يتعلمون منها الكثير بكبسة زرعلى جهاز الكمبيوتر الخاص بهم ويتعرفون على عوالم مختلفة من خلال هواتفهم الذكية!
لا أعلم حقيقة هل هؤلاء الأباء متناسين تلك الحقائق أم يجهلونها أم هم ينكرونها كي لا يصدقون وجودها واقعا مفروضاً؟
أيا كان السبب الحقيقي لرفضهم الاعتراف بواقع الشباب، فهو يحيلنا للسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هنا.. من يربي أولادنا؟
في ظل المجتمع المفتوح الذي يعيشه أولادنا عبر التواصل اللامحدود وعبر لغتهم الصريحة في نقاشاتهم حول اهتماماتهم، لم نعد نحن الآباء المصدر الوحيد لتربية أولادنا، لم نعد نربيهم بمفردنا، بل أصبحنا نشارك في تربيتهم، وتشكيل وعيهم بجانب عوامل كثيرة أكثر انفتاحا منا، وأكثر استيعابا لتساؤلاتهم، وباتت مشاركتنا في تشكيل وعيهم لا تسمح لنا بمنعهم من المعرفة، بقدر سماحها لنا فقط بتمرير بعض الإشارات والمفاهيم لهم عن كيفية تعاملهم مع طرق البحث والمعرفة.. علينا أن نعترف بذلك باعتباره واقع يفرض نفسه، فنحن لا يسعنا منع أبنائنا من المعرفة، وكل ما نستطيع عمله أن نرشدهم إلى اختيار طرق صحيحة يسلكونها للمعرفة كي نضمن لهم بقدر الإمكان معرفة صحيحة.
علينا الاعتراف بأن منعهم عن مصادر معرفة متنوعة يساهم في جهلهم، وأن محاولات التحكم بالمنع هي في الحقيقة تمنعهم من الاتساق مع معطيات زمنهم، وأن تشجيعنا لثقافة المنع يساهم في خلق جيل غير متسق مع زمنه، جيل يتراوح ما بين الجهل والإجرام.
إن الأب الذي يرى مصادرة الدولة للإبداع ملاذا له لتربية ابنه، عليه أن يراجع نفسه في جدارته كأب واعِ، فمصادرة الإبداع والمعلوماتية لن يحمي النشء، ولن يحمي أخلاقه، بل معرفته التفريق بين الإبداع واللاإبداع هو فقط ما يساعده على تشكيل وعيه بشكل صحي، وحتما لن تتأتى له صحة التفريق بالحجب والمنع.
وبشكل شخصي أرى في أسلوب أحمد ناجي في روايته \”استخدام الحياة \” طرحا ملائما لطبيعة قارئيه، فهو يسرد روايته بلغة يفهمها جيله ويستخدمونها فيما بينهم، وأسلوب سرده الذي تراه أنت فجا، يراه أبناء جيله معبرا عنه تماما، وأرى أن كثيرين ممن انتقدوا أسلوب ناجي الفج – من وجهة نظرهم- مشكلتهم الأساسية أنهم لم يستسيغوا اللغة الصادمة الواضحة التي انتهجها الكاتب، ناظرين إليها باعتبارها وقاحة دون أن يلتفتوا إلى أنها لغة جيل قرر أن يعبر عن نفسه وعن خياله بمنتهى الوضوح – الفج – ليتجاوز بها كثيرا من مشاكل مجتمعه المنغلق، ويواجهه بها تأهباً لتخلصه منها.
لا تندهش عزيزي الأب، عليك الاعتراف بذلك حتى وإن لم يعجبك، عليك مراجعة نفسك ومناقشة ابنك بجدية حول رأيه في رواية ناجي الأخيرة بدلا من تشجيعك للدولة على مصادرة تداولها، عليك الاعتراف بحقيقة أنه.. إن لم يقرأها ابنك عن طريق الجريدة، فبمقدوره شراؤها، وإن صودرت في المكتبات، فباستطاعته قراءتها عبر الإنترنت.
يُنشر هذا المحتوى في إطار حملة مشتركة بين مواقع “زائد 18″، و“مدى مصر”، و“قل”،و“زحمة“. للتضامن مع الروائي أحمد ناجي.