تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي اإكترونية خبرا شديد الغرابة عن دعوة مناهضة لحجاب المرأة، انطلقت من كاتب صحفي عبر برنامج تليفزيوني، يدعو فيها لتنظيم مظاهرة احتجاجية تهدف لخلع الحجاب بدعوى الحفاظ على كرامة المرأة وحريتها!
ليس الغريب في اﻷمر هنا هو الدعوة لخلع الحجاب أو التظاهر لذلك، لكن الغريب هو أن الدعوة موجهة ضد المجتمع لا الدولة!
افهم أن تعلو اﻷصوات بالاحتجاج ضد قوانين مسيئة للحرية أو لفرض قوانين تضمن حق المرأة في الحرية، لكن أن تقام الاحتجاجات ضد سلوك يفرضه المجتمع، فهذا ليس فقط إبتذالا لمفهوم الاحتجاج العام، بل هو أيضا ينافي العقل والمنطق.
اتفقنا أو اختلفنا على غطاء الرأس للمرأة المسمى – اصطلاحا – بالحجاب إلا أن الدولة لم تفرضه قانونا، ولا يجوز أن ندعو إلى الحفاظ على حرية المجتمع، بتقييد حرية أفراده واختيار ما يرتدونه بالنيابة عنهم.
في مقابل تلك الدعوة الساذجة التي لا أعرف هي تستهدف من في الحقيقة، والتي أثارت تهكم وسخرية مناهضي الحجاب قبل مؤيديه، جاء ذلك المقطع من فيديو يحمل عنوانا رافضا لسلوك سيدة في منتصف العمر ترقص بأحد المتنزهات العامة، مدعيا خلعها الحجاب أثناء رقصها.
لمشاهد فيديو السيدة التي ترقص.. اضغط هنا.
وبصرف النظر عن كذب ما جاء في التعليق على الفيديو، فقد أطلت علينا تلك السيدة بجلبابها اﻷسود الفضفاض ذي اﻷكمام الطويلة.. ببهجتها وخطواتها الرشيقة، رغم أرطال الدهون التي يحملها جسدها النابض بالحياة المرهقة.. أطلت علينا بشعرها المصبوغ المشعث، وحركاتها الراقصة العفية، لتعلن إلى كل اﻷصوات المناهضة أو المؤيدة.. إلى كل اﻷصوات التي تفرض عليها ما يجب أنت تكونه، أنهم لن يمنعونها من فعل الحياة، وأنهم برغم فرض أفكارهم عليها، سواء بتغطية جسدها أو تعريته، فهي قادرة على فرض نفسها بالشكل الذي تريده لنفسها.
قد أعلنت تلك اﻷربعينية الجميلة المترهلة – دون أن تقصد- أن المصريين البسطاء كيادين بالفطرة.. يخرجون ألسنتهم لكل من يتحدث باسمهم وهو لا يعرف حقيقتهم.. يجدون دوما طرقا عديدة للتكيف مع ضغوط مجتمعهم وأعرافه البالية، وقهر سلطتهم الحاكمة.
أثار انتباهي في هذا المقطع.. الطريقة التي تعاملت بها السيدة اﻷربعينية مع قرينتها الفتاة العشرينية رشيقة القوام.. ذات البنطلون الضيق، التي انفعلت برقص اﻷربعينية، وشاركتها حلبة الرقص، ليدخلا سجالا راقصا، هو أقرب لمباراة منه إلى المشاركة، فهي لم ترفض قرينتها الرشيقة، ولم ترقص وحدها لتباريها، بل تماهت معها في تابلوه للرقص الشعبي وشاركتهما بعض فتيات صغيرات – محجبات- وكأنهن يتحدين برقصهن كل اﻷصوات التي ترغب في أن تقرر لهن ما يجب عليهن فعله.. سواء بدعوى المحافظة أو بدعوى التحرر.
هي فعلت مع قرينتها الرشيقة ما تعلمته في مواجهة ضغوط المجتمع عليها.. ما تمرست عليه، وهو فعل الكيد الخفي المحبب إلى النفس، ليس بالكيد المؤذي.. الكيد الناتج عن التحايل.
لن ننكر أن مجتمعنا يعاني من نواقص وإزدواجية مفرطة، خصوصا تجاه المرأة، ولن ننكر أن المرأة تعاني مع المجتمع ومع نقص حقوقها، إلا أن تلك المرأة، خصوصا البسيطة، تعالج مشاكلها مع المجتمع والدولة، كما عالجت صديقتنا اﻷربعينية الرائعة مشكلتها مع قرينتها الرشيقة، فهي تتماهى دوما مع إزدواجية مجتمعها.. تتراقص معها.. تأخذ منها وترد إليها، لتقتنص بعضا من حقوقها الضائعة من فروض اجتماعية مجحفة، أو تجاهل متعمد لحمايتها من قبل الدولة.
إبتكرت المرأة المصرية حلولا مزدوجة، شبيهة بمجتمعها، حتى تحصل على حقها البسيط في الحياة؛ فهي لم يفرض عليها غطاء الرأس كما ادعى الكاتب الصحفي المنعزل عن حقيقة الشعب الذي ينادي بحريته، والذي يطالبه بالحرية من معتقداته وأعرافه، بدلا من أن يطالب الدولة بتوفير حقه في الحرية!
بل هي اختارت ذلك حتى تتكيف مع نواقص المجتمع وشروطه، ﻷنها تفتقد حماية الدولة لحقوقها.
هي ببساطة تتماهى مع أمراض المجتمع، ومع تجاهل الدولة، بإغاظتهم والكيد لهم وممارسة فعل الحياة رغما عنهم، كما تماهت مع قرينتها الشابة الرشيقة وتراقصت معها، ولسان حالها يقول لها: لا يغرك ضعفي ووزني وجلبابي الفضفاض.. أخذت منها وردت إليها، حتى اقتنصت البهجة والحياة وعبارات اﻹعجاب، ولقنتها درسا في الكيد النسوي، ينفعها لمجابهة مشاكلها.. إنها المرأة المصرية الكيادة خفيفة الظل.
لمشاهد فيديو السيدة التي ترقص.. اضغط هنا.