كنت أحب أن أشاهد صورا قديمة، فيها بنات ونساء تاتاريات – حيث أنني من جمهورية تتارستان إحدى جمهوريات روسيا- يلبسن طرحا تقليدية بطريقة جميلة، لكني لم اتخيل أبدا أنني سالبسها في يوم من الأيام.
منذ طفولتي كنت أشعر بالخجل في كل مرة لبست فيها ملابس قصيرة أو مفتوحة.
ارتداء مثل هذه الملابس عادي جدا في بلادنا، وأنا، بالتأكيد ارتديتها مثل الكل.
لكن الخجل لم يتركني أبدا! كنت أكره نفسي، وحاولت مقاومة هذه المشاعر، ولبست ملابس قصيرة جدا أو مفتوحة، باستخدام المبرر أن الخجل سيذهب وأنا سأتعود.
لكني لم أستطع.. أول مرة جربت الحجاب في مصر عام 2004 عندما أتيت إليها للدراسة لمدة شهر واحد.. في الحقيقة عملية ارتداء الحجاب أزعجتني.. كانت طويلة ومملة.
لكن فورا وبعد خروجي إلى الشارع، وجدت نفسي في عالم آخر، ربما لأول مرة في حياتي شعرت بأني أنثى بكل ما تحمله الكلمة من معان!
أنا أنثى وهذا جميل.. في بلدي لا يوجد الفرق بين الرجل والمرأة.. الكل يعمل.. الكل يتحمل المسؤولية، حتى ملابس الرجال والنساء تشبه بعضها البعض.
ذلك اليوم وسيلة العادية تحولت غلى وسيلة الملكة.. مثل ملكات ساكنات في قصور في كتب طفولتها.. والآن تم تحقيق أحلام طفولتها وهي أصبحت ملكة على أرض الواقع.
رجعت إلى بلدي ونسيت تلك التجارب.. حياة عادية.. روتينية.. كنت أنظر إلى البنات المحجبات وأفكر: أوكي كان الحجاب جميلا.. من حين لآخر ممكن، لكن كل يوم.. صعب.
كنا نلبس طرحة في قريتنا فقط.. جدتي كانت تقول إنه ليس جيدا لفتاة أن تخرج من البيت وشعرها مكشوف.. كنا نضحك عليها، لكنالفتيات كن يرتدين الطرحة احتراما للجدة، والطرحة نفسها كانت شيئا متخلفا، ومع ذلك فنحن بنات المدينة، متقدمات ومثقفات، لا نقبل ملابس القرية.
عام 2010.. اقترحوا لي أن أعمل مدرسة للغة العربية في الجامعة الإسلامية.. اتذكر نفسي وأنا ذاهبة إلى الإنترفيو.. أكيد، سيحدث شيء مهم اليوم.. هناك مفاجأة لي وأنا اشعر بذلك.. قال لي مديري إنه وفقا لقواعد الجامعة عليّ ارتداء الحجاب أثناء تدريس الطلاب!
ها!!! الحجاب..؟!! إذن هذه هي المفاجأة لي من ربي!
رجعت إلى بيتي وأخبرت والدي بأن علي ارتداء الحجاب في العمل.. دخلت غرفتي وقلبي يدق، وأنا أبتسم.. الحجاب!
منذ ذلك اليوم عالمي انقسم إلى إثنين.. عالمي الأول، وأنا البس الحجاب، واذهب إلى العمل، ولا أخلعه بعد انتهائه، واتجول في الشوارع، وانظر إلى نفسي في زجاج نوافذ السيارات والمحلات، واتمتع بشكلي الجديد.. مشاعر الهدوء الداخلي العجيب والأمن لا تتركني حتى لثانية واحدة.. الناس ينظرون إلي وأنا انظر إليهم ولا أخجل كالعادة!
وعالمي الآخر في أيام الإجازة من العمل.. أيام عادية وأنا أخرج، لكني أشعر بأن شيئا ما ينقصني.. شيء مهم أفتقده، وأشتاق إلى عالمي الأول.. ففيه أشعر أنني ملكة وحرة.
بدأت الخروج إلى العمل – يوميا- بالحجاب.. أمي معترضة جدا جدا.. اشرح لها أن هذا بسبب العمل، كي لا يراني طلابي يوما بالحجاب ويوما آخر بدونه.. العمل.. الواجب.. هذه الكلمات مقدسة في تربيتنا.. ومع ذلك أمي مازالت غير مقتنعة، ولكنها وافقت في النهاية، وأنا متحمسة وفرحانة.. دافعت عن عالمي الجميل.. لقد فزت.
لكن من حين لآخر يحدث بيني وبين أمي شجار.. تقول لي إن الحجاب للعجائز، والحجاب سيعمل لي مشاكل.. بصراحة، عند الكثير من البنات المحجبات مشاكل أثناء البحث عن العمل.. فورا بعد أن يرى صاحب العمل أو المدير أن الفتاة محجبة، يقول لها إن عليها خلع الحجاب وبعد ذلك تستطيع أن تحصل على الوظيفة.
بعض البنات يرفضن وبعض البنات يوافقن.. الكل يحتاج إلى العمل.. لا يجوز لنا الجلوس في البيت.. لابد أن نعمل، حتى لو ساعات قليلة، لذلك أمي خائفة وقلقة علي.
احاول إقناعها وأقول إني، الحمد لله، وجدت العمل حيث الحجاب مفروض فيه.. هي تنظر إلي ولا تتكلم!
في خريف عام 2012.. توجهت إلى مصر للدراسة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة.. بعد سنوات طويلة من الحلم بالدراسة باللغة العربية وأن تكون كل المواد بها، أكرمني الله بتحقيق هذا الحلم.
عمري 27 سنة.. اشعر بالسعادة ومنزعجة في نفس الوقت.. فمن ذا الذي يترك كل شيء في وطنه ويأتي لدراسة مجال جديد بعيدا عن تخصصه وفي مثل هذا العمر؟ من هذا المجنون؟ أنا.
كل مساء اتكلم مع أبي وأمي في \”السكايب\” واقول لهما إن الكل يندهش من أنني من روسيا ومحجبة.. اقول إن هنا الاحترام للبنات الأجنبيات المحجبات كبير جدا.. أمي مقتنعة وأنا افرح واشكر ربنا على مساعدتي.
كالعادة ابتسم.. غدا ستشرق شمس يوم جديد وفيه بالتأكيد معجزات ولحظات جميلة.