اخترنا أن ننشر قصة وسيلة.. الفتاة التترية الروسية التي تحولت من الإلحاد إلى الإسلام.. كما كتبتها هي بكل أخطائها الإملائية.. حتى لا نتدخل في إهدار تلقائية وصدق حكيها لتجربتها.
إسمي وسيلة، أنا تاتارية وولدت في جمهورية تاتارستان، مدينة قازان عام 1984. من المعروف ان التاتار مسلمون منذ قرون كثيرة، لكني ولدت في زمان الإتحاد السوفياتي، حيث كانت كل الأدينة ممنوعة في ذلك الوقت. وعائلتي كانت عادية، لم نعرف أي شيء عن الصلاة والصيام وعالم المسلمين كان بعيداً عنا. الشيء الوحيد تعلمتها من أمي وكان هذا شيئاً وحيداً عرفت هي بنفسها: \”لا اله الا الله ومحمد رسول الله\”. أمي قالت لي أنها كلمات سحرية وعلي قولها قبل النوم لكي أنام جيداً وكل مساء كنت أكررها بدون فهم معنى هذه الكلمات.
بعد مرور عدة سنوات تفكك الإتحاد السوفياتي وحصلت التغيرات الكبيرة في مجتمعنا وهو أصبح أكثر منفتحاً للعالم. نتيجة هذه التغيرات تم إنشاء أول محطة اذاعية وأول قناة تليفزيونية محلية باللغة التاتارية وظهرت المحاولات الأولى في الحديث وممارسة الدين من جديد. في ذلك الوقت كنت في سن المراهقة.كل يوم بعد الرجوع من المدرسة جلست ساعات طويلة لوحدي في البيت في إنتظار رجوع والدي من العمل. كنت أشعر بالضيق والوحدة وحتى الخوف من الجلوس لوحدي في الشقة الكبيرة. مرة دخلت المطبخ وسمعت صوت الراديو. هو عادة كان مفتوحاً في مطبخنا، لكني لم أنتبه به أبداً. فجأة سمعت كلمات جميلة وغريبة باللغة لا أعرفها حتى لم أكن متاكدة أنها لغة. كأنها أتت من كوكب أخر. بدأت أستمع اليها وشعرت بأنها تؤثر علي كأن أحد يريد قول لي سراً وأنا لا أفهمه. أصبحت أتى لسماع هذه الكلمات كل يوم، وكل مرة شعرت بالراحة في داخلي. وفي نفس الوقت كنت أحس ان هناك شيء، معلومة مهمة او سر كبير، وعلي فهمه، لكني لا أستطيع… حفظت هذه الكلمات بسهولة بدون فهم معناها. أصبح ذلك سراً لي، لم أتكلم فيه مع أحد، وماذا كان ممكناً ان أقول وكيف أشرح؟
في ذلك الوقت وقعت في الحب بزميلي من المدرسة. هو لم يعرف عن مشاعري وكنت أفكر في ماذا ممكن ان أفعل لكي ينظر إلي. هو وزملائه بدأوا تعلم اللغة العربية وأنا أول مرة في حياتي سمعت عنها منهم، كانوا يناقشون كتابة أحرف وقواعد أمام كل البنات وقلت لنفسي: ها! يجب علي ان أتعلم هذه اللغة ايضاً، لكي أستطيع مناقشتها معه ولكي يقول لي: يا وسيلة، أنت حقاً تعريفينها وتتكلمين بها بطريقة جيدة جداً!
بعد إتخاذ هذا القرار إلتحقت بقسم اللغة الانجليزية واللغة العربية لجامعة التربية والتعليم. تركت العالم كله وأنا أجلس بالكتب وأذاكر هذه اللغة. كنت أتعب كثيراً وأبكي لأنها كانت صعبة جداً لي. لكن كان عندي هدف ولم أريد ان أتنازل عنه.
في السنة الثالثة من الجامعة، و هذا عام 2004، أخبرنا معلمنا للغة العربية ان هناك إمكانية الذهاب الى جمهورية مصر العربية لدراسة اللغة العربية في الكورسات لجامعة القاهرة لمدة شهر واحد. وأتينا الى مصر…أول مرة في حياتي رأيت مجتمعاً دينياً، بنات محجبات والناس يصلون في كل الأماكن ولا يخافون ولا يخجلون من ممارسة الدين ويتكلمون فيه بكل الصراحة والحرية. الحديث في الدين كان ممنوعاً عندنا، كل شيء في قلبك، في الداخل. ومع ذلك أنا دائما أتذكر كلمات أمي التي كانت تقول: يا وسيلة، لا تقومي بالخيانة وتكذبي أبداً لان ربنا يرى كل شيء وهو يعرف ماذا يحدث في قلبك ولا تجرحي أحداً وتعاملي مع الكل بالإحترام والضمير. وكانت تربيتنا مبنية على هذه الأسس ولا أحد فكر في أنها مبادئ أساسية للإسلام، لم نعرف شيء عن قصص الأنبياء وقصص يسمعونها الأطفال في البلدان العربية، كل التربية كانت مبنية على مبادئ الكرامة الإنسانية والعدل وعدم إساءة ضعيف ومساعدة اخرين وحسن الظن والنية. بعد ان أتينا الى مصر، تعرفنا ببنات من نفس السن معنا، وواحدة سألت مني: -هل أنت مسلمة؟ قلت: نعم. – هل تصلين؟ قلت: لا، -لماذا؟ أنت مسلمة. في تلك اللحظة حسست بالضيق وحتى الزعل منها، كأنها تشك في إيماني وحتى في تربيتي، فقلت لها أني أريد ان أتعلم العربية أولاً لكي أفهم كلمات الصلاة. ثم سألت مني: هل تعرفين سور القرآن؟ قلت: لا، لا أعرفها. وهي قالت: كيف؟ وبدأت ان تقول لي كلمات…إكتشفت فجأة أنها نفس الكلمات التى كنت أستمع اليها في الراديو وأنا صغيرة، والتى وحفظتها بدون فهم أي شيء منها. سألت منها: ما هذا؟ هي قالت أنها سورة الفاتحة…يعني أنا حفظت السورة الأولى من القرآن ولم أعرف عن ذلك . في هذه اللحظة أتت إلي فكرة في أني سأصلي في يوم من الأيام، لكني رفضتها، كانت غريبة جداً لي في ذلك الوقت.
السنة الرابعة من الجامعة ونحن نقف مع زميلي من المدرسة ونتكلم في الدراسة وفي اللغة العربية. فجأة هو قال لي: يا وسيلة،أنت تعريفين اللغة العربية وتتكلمين بها بطريقة جيدة جداً! أصابتني الصدمة في تلك اللحظة… هو قال لي نفس الجملة التى كانت في بالي كل السنوات هذه وأنا بذلت كل جهودي ووقتي من أجل سماعها وسمعتها في نهاية الأمور…رجعت إلى بيتي وبدأت أتذكر كل الأحداث التى حصلت بي في غضون هذه السنوات وربما لمرة أولى سألت من نفسي بكل الجدية: أنا لماذا تعلمت هذه اللغة بالجنون؟ لماذا كل هذه الأشياء تحدث بي؟ ما هو السبب؟ لكني لم أجد الجواب…
ذهبنا الى سوريا في عام 2007. كنت مشرفة لطلابنا من الجامعة وأنا أعمل مدرسة فيها. درسنا في جامعة التشرين 3 اشهر. بقى لنا أسبوع قبل الرجوع الى بلدنا وكنا نتجول في السوق ونشتري هدايا لأهلنا وأصدقائنا. رأيت سجادة جميلة. فجأة وقفت أمام البائع وفي غضون عدة ثوان إشتريتها. واحدة سألت مني لمن إشتريتها؟ قلت: لنفسي وخفت من كلماتي…
سنة 2008. أنا أعمل مترجمة في الشركة. أفتح في النت مواقع ومنتديات دينية من أجل تعلم كيفية الصلاة وأفتحها بالخوف والخجل والسعادة في نفس الوقت مثل الطفل، الذي يفتح هدية في إنتظار المعجزات،. لم أطلب أي مساعدة من أحد. خفت انه ممكن ان يؤثر علي وأنا سأغير قراري…صليت لأول مرة…لا أستطيع ان أصف شعوري التى مررت بها في تلك اللحظة… كأني وصلت الى محطة مهمة في طريق حياتي، وكأني فهمت معنى السر الذي لم أفهمه وأنا استمع الى تلك الكلمات السحرية وكأني رجعت الى طفولتي حيث تكون المعجزات فيها شيئاً بسيطاً وعادياً.
مرت عدة سنوات…لم تتركني هذه الأحاسيس والمشاعر حتى الآن. العكس، أشعر بأنها تصبح أقوى وأجمل مع نضوج شخصيتي وتقويتها. وأقول الحمد لله أني بدأت تعلم هذه اللغة وإكتشفت ديني وتعرفت بشخصيات رائعة ورأيت بلداناً أجنبية، عمري لم أتخيل أني سأراها وإكتشفت العالم الأخر وأصبح هذا العالم جزءاً مهماً في حياتي. كل يوم أنا أستيقظ وأشكر ربنا على أني ووالدي في الصحة والسلامة وأشكره على كل الإمكانيات والفرص والدروس التى يعطيني وأدعوه الأ يحرمني من رحمته ومغفرته وأن يهديني كل لحظة ويساعدني أثناء مرور بمراحل صعبة في حياتي…انا حتى الآن لا أعرف طريقي ولا أعرف إلى أين سأصل في نهاية الأمور، لكن ربنا معي وكل لحظة أنا أشعر وأتأكد كم هو كريم وجميل.