وسام الاهواني تكتب: مجتمعي العزيز

مجتمعي العزيز

تحية طيبة وبعد..

أنا حقا في حيرة شديدة، لا أعلم كيف ومتى ترضى عليّ أو علينا جميعا!
في البداية ومع أول شهيق لي في هذه الحياة والتي صدر مني في شكل صرخة، نظر إلى الجميع نظرة يأس وخيبة أمل لمجرد أنها صرخة أنثى وليس ذكرا كما ترغب دائما.
ولكن أمي هي الوحيدة صاحبة النظرة المختلفة، وقد كانت نظرة خوف ممزوج بالإحساس بالذنب! فهي مذنبة أمامك لأنها أنجبت أنثى، مذنبة أمامي لأنها دونا عن كل المجتمعات أنجبتني فيك يا مجتمعي!

ومع ذلك ورغما عني وعنك كبرت، ولكنني لم اترعرع مثل باقي ذكور العائلة، فقد كانت الرياضة والفنون والخروج والسفر أشياء منعتها عني يا مجتمعي، وسمحت بها لأي ذكر وإن لم يكن يريدها.
وبعد جهد جهيد، تسلقت كل الفرص لأتعلم في مدارس مجتمعي، وكان أول درس تعلمته هو: عُمر ضابط شرطة.. عُمر يخدم وطنه.. أحمد طبيب.. أحمد ملاك الرحمة.. تامر مهندس.. تامر يبني وطنه.. فاطمة تطبخ.. فاطمة تنظف.. كوني مثل فاطمة!

ركبت مواصلات مجتمعي العزيز ليتم التحرش بي كل يوم، وليس من حقي أن أشتكي أو أدافع عن نفسي، وإذا حدث وتكلمت، عندها فقط اسمع أقولك المأثورة:

(إيه اللي وداكي هناك؟!)
(وقرن في بيوتكن)
(لبسك ضيق)
(لو محترمة محدش حيكلمك)

ابتلعت كل الكلمات الصادرة من ابنائك يا مجتمعي العزيز، وناضلت حتى أعمل، وللعمل مواصفات محددة رسمتها لي بكل دقة، فيجب أن أعمل في مجال غير مهم، وإذا كان مهما، تقول لي بكل سخرية: الهندسة للرجال والطب للرجال وعلوم الفضاء للرجال والمحاماة والقضاء للرجال، يمكنك أن تعملي مدرسة أو موظفة تنهي وظيفتها في الواحدة ظهرا لتعود وتطهي الطعام وتغسل الثياب وتربي الأبناء.

وعلى ذكر مُدرسة، فقد حددت التدريس، لأنك يا مجتمعي العزيز لا تحترم العلم أو التدريس ولا يوجد تقدير للمدرس، وإذا ذكر عدم التقدير ذكرت أنا أنثى المجتمع.
تزوجت كي أرضيك يا مجتمعي، وأنجبت ابنا ذكر كي أشرفك، كما أنجبت ابنة لأحقق رغبتك في إهانتها مثلي لاحقا.

غطيت شعري عندما طلب مني، وأخلعه في مناسبات محددة عندما يُطلب مني.

اعمل واساعد في منزلي ماديا ومعنويا.

لا أفكر في أي رفاهية أو حتى لحظات استرخاء.

أحترم الكبير واعطف على الصغير ولا أحد أحترمني وأنا كبيرة أو عطف على وأنا صغيرة.
اسمع الكلام جيدا، ولكن لا أنطق سوى بـ حاضر، لأن كلمة حاضر بتريح!

ولا أعلم إلى متى ستستمر عنصريتك معي؟
اقرأ صحيفتك اليومية، فأجد كل يوم المزيد من حالات التحرش والاغتصاب، والكثير من جرائم الشرف المزعوم.

انظر إلى ساحات المحاكم، أجد عشرات بل مئات يبحثن عن حريتهن أو عن بضعة قروش ضئيلة لإطعام صغارهن في شكل نفقة.

أين العدل في قسمتك يا مجتمعي؟
أريد فقط أن أعرف جريمتي أو ذنبي كي أكفر عنه، لعلي أحظى بجزء من حقوقي المنهوبة.
لقد جعلت تائي المربوطة سُبة إذا أردت إهانة ابني أو أخي في مجتمعات شقيقة أخرى، فحتى في إهانة ذكورك تذكرني!

تخيل لو كان الوضع معكوسا، وكانت الإناث هن من يضربن أخواتهن الذكور ويتحرشن بجيرانهن ويحصرن ذكورك بين المطبخ وغرفة النوم، هل ستكون سعيدا؟
اعلم أن هذا لن يحدث أبدا، لأنه -إن حدث- وأصبحت النساء هن من يحكمن هذا العالم، لساد العدل والمساواة كل بقاع الأرض، فأحيانا فاقد الشئ يعطيه.
مجتمعي الذكوري.. كن رجلا أرجوك.. كن إنسانا.

وفي الختام، أمد يدي إليك بالسلام، وكلي أمل أن لا تكسرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top