اسمها نجلاء فتحي.. ملامحها الفاتنة جعلت استعارتها لاسم نجمة السينما في السبعينات، شيء عادي كأنه وراثة من سلالة تتوالد في غير مكانها الاصلي، وتمنح غربة وميزة ، من صنع \”الاقدار\” أو الجينات المهاجرة عبر التناسل الذي تحكمه أوضاع أكبر من الحياة المتسقة مع إيقاع النيل الهاديء والرتيب.
تلك العلاقات المعقدة لم تمر بعقل ولا مشاعر نجلاء، لكنها ساهمت في صنع مصيرها المعلق بين عالم ينتمي إليه جمالها.. عالم مخملي، مصنوع للأساطير والنجمات، تفرش فيه الأرض أمام ملامحها التي تحجز لها دور \”المتعة\” المتجسدة في صورة التناقض الساذج بين الشيطان والملاك.
فتنتها ساذجة، سذاجة جمهورها الريفي العاشق لصور نائمة في ذاكرة الجمال الاستعماري الاشقر.. إنها \”مطلوبة\” و \”متهمة\”.. ملامحها عبء عليها.. تدفعها إلى دور ومصير لا تشعر بمأساويته حتى وهي تروي
بسذاجة ملفتة، الأحداث التي جرتها إلى إقامة كاملة فى السجن 6 أشهر كاملة.
تتخلل الحكاية مشاهد تمثيلية وألعاب انتزاع التعاطف معها كضحية لضابط متعسف لم يتحمل مجادلتها له.
هي ترى نفسها ضحية الضابط لا أكثر .
\”ضحية\”..؟!
لم تفكر في حكايتها كلها.. ركزت على الخوف من اضطهاد الضابط.ز هو رمز السلطة، أو السلطة نفسها على فتيات عالم الليل والرغبات مدفوعة الأجر، ومصير أي فتاة مرتبط بمعادلات معقدة تسير أحيانا على ايقاع \”السياسة العليا\” التي تتطلب أحيانا \”تغميض العين\”، أو ترك حبل الأخلاق قليلا لتزدهر تجارة المتعة السرية.
لكن لابد من أن تظل السلطات ممسكة بخيوط تجعلها تهيمن على الملعب الذي تنمو فيه حركة هذه التجارة التي تصنف في تقارير الأمن عادة ضمن \”الجرائم عديمة الضحية\”.
وربما الأدق هو أنها جريمة الجاني فيها هو الضحية.
نجلاء اختاروا اسمها تيمنا بجمال ونجومية وحظ نجمة السينما الشهيرة منذ السبعينيات.. عمرها الآن 24 سنة كما قالت لنا.. عائلتها من الزقازيق. هي البنت الوحيدة بين شقيقين، و لهذا فهي كانت وعمرها لم يصل العاشرة ساحة المعركة على السلطة بين الأب والأم بعد طلاقهما.
الأم أعلنت خطبتها لقريب لها وعمرها مازال 13 عامان و7 أشهر.. الأب استدعاها ليمنحها هدايا، وهناك في بيته الجديدن اكتشفت أنه رتب لزفافها على عريس جديد.
هكذا بدأت نجلاء حياتها المستقلة في مهب حرب عائلية، وهي مراهقة تركت مقعد الدراسة في الصف النهائي للإعدادية.. وزوجها يصرف كل أمواله من تجارة الملابس على حقن \” الماكستون فورت\”.. عاشت ست سنوات مع مدمن لم تحبه يوما، لكنها أنجبت منه بنتا وولدا.. لم أسألها طبعا كيف استمرت الحياة، وكيف كان يحصل على متعته بعد وصلات ضرب عنيف و\”بهدلة\” نتج عنها 10 غرز فى مناطق مختلفة من وجهها المميز بملاحة ريفية شقراء.
الخلاص كان على يد امها التي أرادت استعادة السلطة والسيطرة على مصير ابنتها التي يعتبر \”نعمة\” في مدينة هي أقرب في تفكيرها إلى قرية كبيرة.
أقامت الأم دعوى خلع ضد الزوج المدمن، وحصلت نجلاء على الطلاق، وكان عليها التفكير في إدارة حياتها وحياة ولد وبنت، وربما الأم. وعمرها لم يصل بعد إلى العشرين.
لم يكن أمامها إلا المشروعات المتاحة لفاتنة ريفية كل خبراتها هي الطبخ وغنج الزوجات في بيت كان بالنسبة لها \”بئر رعب\”.
أول وأسهل هذه المشاريع، كان الزواج من ثري سعودي.. تلتقط له عين سمسار محترف، حسناءا من حسناوات الأرياف.. يقضى معها أياما أو أسابيع بعقد رسمي ثم يتركها ويرحل بعد أن تكون قد قبضت هي وأهلها والسمسار ثمن ليالي الدعارة الشرعية.
هذا المشروع اصبح فى السنوات الاخيرة مصدر ثروة عائلات كثيرة، وهناك قرى كاملة تعيش على أموال \”الزواج الوهمى\”، بعد أن تقلصت فرص هجرة الرجال إلى الخليج تدريجيا في السنوات الأخيرة من التسعينيات.
نجلاء رفضت \”صفقة الزواج\”.. بناءا على تهديد بالقتل من خالها، الذي يدرك \”حقيقة\” الزواج من ثري يريد أن يشتري متعته بدون متاعب بوليس الآداب وبدون غضب السماء عليه.. الخال من عقلية قديمة لم تستوعب بعد الحلول النفعية التي اخترعها الشطار ليمرروا المتع الحرام تحت عباءة حلال.
وليس غريبا أن تظهر فكرة الدعارة بالزواج في نفس توقيت ظهور شركات توظيف الأموال، وليس غريبا أيضا أن تكون \”السمسارة\” صاحبة عرض الزواج السعودي، هي نفسها التي فتحت لها طريق السفر إلى القاهرة، والعمل أولا \”لبيسة\” لراقصة مشهورة في علب الليل اسمها \”سمر\”.
سافرت نجلاء باتفاق سرى مع السمسارة، وتواطؤ غير معلن من الأم التي لم تجهد تفكيرها لمعرفة مصدر الأموال التي ترسلها لها فتاة شبه أميه تعيش بمفردها في مدينة متوحشة مثل القاهرة.
اكتفت الأم بتفسير شبه منطقي: \”قلت لها إننى أعمل في مستشفى.. ومع كل مبلغ ضخم كنت اخترع قصة.. مرة أقول لها إنها من جارتي، ومرة أقول إنها مكافاة من مريض شفى في العيادة.. وهكذا..\”
كان هذا بعد أن تركت نجلاء الراقصة، وذهبت إلى فرصة فتحها قناص آخر اكتشف فيها إمكانيات نوع جديد من \”فتيات المتع الخفيفة\”.. كانت هي قد تعرفت تماما على تفاصيل عالم الليل، واكتسبت خبرات من التنقل بين الفنادق والمحلات المختلفة، حتى جاء الرجل وعرض عليها: \”تيجي تشتغلي معانا..\”.. لم تسأله أين.. قالت له: \”لكننى لم اشتغل من قبل\”، فرد بثقة الخبير: \”ستتعلمى في 10 أيام \”.
ودخلت العالم من أبواب أوسع.. كانت الخطوة الأولى اسم مستعار\”هيام\”، والخطوة الثانية هي التدريب على اقتناص اكبر كمية من الأموال مقابل متعة اللمس، والاقتراب لا الجنس الكامل.
إنها واحدة من جيش كبير من الفتيات تلعب على منح المتعة الناقصة علنا، وفي أماكن شرعية وتحت أعين حراس محترفين.. وإدارة خبراء بأخلاق اللحظة الراهنة.
كل شيء قانوني من النظرة الاولى.. شرعي، بل إن كل بنت تعمل في وظيفة \”مضيفة\” بترخيص من الصحة والآداب ومكتب العمل.. تسير في الشوارع بالزي المقبول.. الآن: الحجاب.
تدخل لترتدي ملابس العمل.. الاقرب إلى غانيات القاهرة كما صورتها أفلام ما بعد الحرب العالمية الأولى.. تظل تداعب الزبائن.. وتسمح لهم باللمس والهمس والقبلات.. هذه حسب حجم \”البقشيش\” (يسمى: استفتاح.. فهو مقابل عمل رسمي).
المذهل هو أن العمل يتم علنا وفي مشهد أقرب إلى حفلات الجنس الجماعي، لكن أغلب العاملات في مصنع الرغبات، لا تشربن البيرة ولا الويسكي مثل فتيات الأربعينات.. المتعة الوحيدة هي الحصول على مال. وبعد انتهاء أوقات العمل الرسمية تعود الفتاة إلى صورتها العادية، بملابسها العادية.. تبحث عن عريس، وهي تعتقد أن جسدها لم يمس مادام الجنس لم يكتمل، أو وهي تعتقد أنها كانت في مهمة عمل تستخدم فيها مهارتها الوحيدة المتاحة: جسدها، الذي يجذب رجالا يعانون من الكبت الجنسي، ويعيش كل منهم أسطورة رجولته الخارقة مع النساء، لكنه لا يقدر على ثمن المتعة الكاملة، أو يريد الدخول في مغامرة أكثر أمنا أو بخدش خفيف للأخلاق.
ربما كانت نجلاء واحدة من جيش المتع الناقصة. فهي كانت \”مضيفة\” يصل البقشيش الذي تحصل عليه أسبوعيا في بعض الأحيان إلى 500 أو ألف جنيه.
لا يسألها أحد من أين.
يكتفون بردها الضعيف.
ويحلون بالمال مشاكلهم.
ولا شعور بالذنب.. أو المتعة.
هل يمكن أن تشعر نجلاء بالمتعة؟!
أو تقتل من أجلها؟!
أم أن جسدها مضبوط على أخلاق هذه الأيام التي تضعه فقط تحت طلب المتع الناقصة.. والمحمية بشرعية ما، والتي ترى في البيع بالتقسيط وسيلة مناسبة للحفاظ على المظهر الأخلاقي، ولاقتناص اللذة فى آن واحد!