صعب أواجه نفسي بحقيقة البلد اللي أنا عايش فيها. لما بمشي في الشارع بشوف ناس مطحونة ما بين غلاء أسعار ومواصلات متعبة وخدمات متهالكة. فوق كده بكون متضايق لكل السيدات والبنات اللي ممكن حد يتحرش بيهم في الشوارع.
والمحزن إن الناس مش هتتحرك إنها توقف المتحرش، بالعكس، لو البنت إتمسِكت بحقها إنها تجرجره على قسم الشرطة، الناس هيقولولها \”سيبيه\”، ما هو أعتذر خلاص، ما تكبريش الموضوع.
والمخيف إن في أقسام الشرطة ممكن العساكر والظباط المنوطين بحمايتها هما نفسهم اللي يتحرشوا بيها أو كمان يغتصبوها.
وفي الآخر، البلد بتسامح المجرم وبتعاقب الضعيف.
منطق الناس، إنك تسامح في حقك ضد المجرم بقى هو العادي. وآدي رجال الأعمال اللي ناهبين البلد بيتصالحوا مع حكومة ناهبة البلد عشان يرجعوا ينهبوها من تاني.
واللي بيقول إن فيه فساد، هو نفسه اللي ممكن يتحكم عليه بالسجن، أما الفاسد، فهو اللي بيحاكم الناس!
المشكلة مش في النظام، قد ما المشكلة في استمرارية النظام.
وكل ده عشان الناس بتقول: \”سيبه\” هو أكيد عرف غلطه.
الدفاع المستميت والتماس الأعذار للمجرمين شيء محزن، لكن المخزي هو تبرير حبس المظاليم والتعامل مع قضاياهم بلا رحمة ولا موضوعية.
قابلت حد من معارفي، بيشتكي من حال البلد، قلت له: عشان الناس بتطبل للفشل.
رد عليا وقالي: ليه ماتقولش إن في مؤامرة من برة عشان مصر مستهدفة وعشان كده الحال بيزداد سوء.
رديت وقلت له: إيه علاقة إقالة هشام جنينة اللي حاول يكشف الفساد بالمؤامرة الخارجية؟!
إيه علاقة زيادات المعاشات العسكرية أكتر من 6 مرات بالمؤامرة الخارجية؟ ورصيت له الرصة إياها عن الإخفاق بسبب السياسات الفاشلة.
فعلا في مؤامرات كتيرة، بس مش بنفس فكر كتير من المبرراتية اللي منفصلين عن الواقع.. المؤامرة من اللي ماسكين السلطة، على الشعب اللي بيتحمل فشلهم عن طريق دفع ضرايب وغلاء أسعار، وفي الآخر ممكن يرفعوا الدعم عنه.
المؤامرة الخارجية نجحت خلاص بوجود مسؤولين همهم على مصالحهم ومصالح دول شقيقة، أكتر من همهم على مصلحة مصر.
المؤامرة فعلا نجحت واستنفذنا إحتياطي عملة صعبة في مشروع مشكوك في جدواه، واللي بيحارب المؤامرة مش المسؤولين لإنهم متواطئين فيها.. اللي بيحاربها هم الشباب اللي بيشهد للحق وبيحارب بكل الطرق عشان أرضه ما تتباعش وعشان المظاليم اللي في السجون يخرجوا وعشان الفاسد يتحاسب، واللي بيحارب المؤامرة بيخونوه، يهمشوه أو يرموه في السجن.. ده غير الأساليب التانية اللي كل الناس عارفاها.
إحنا في بلد الأوضاع فيها مقلوبة والمواطنين فيها مطحونين.
المؤامرة الحقيقية على الشعب هو تجهيله وغسيل دماغه بالخزعبلات.. شوية كفتة، شوية وعود فارغة وشوية نظريات مؤامرة عارية من الصحة.
الأجواء الحالية بتفكرني بأجواء 2009 و2010 لما كانت الدنيا خربانة والناس بتصبر نفسها وتقول: هنعمل إيه؟
مشكلتنا إن المؤامرة مستمرة.. يمكن مسؤوليتنا إننا نوقف المؤامرة دي، وتوقيفها سهل، عبارة عن محاسبة المسؤول عن قراراته وفساده.
لكن حتى لو قدرنا نوقف المؤامرة، إحنا خسرنا كتير. عندنا ميراث من الجهل والنهب والفساد هياخد سنين عشان نبتدي نمحي آثاره.
حقيقة البلد صادمة، ومهما حاولت أتفاءل أو انشر الإيجابيات، مش هيغير من الحقيقة شيئا، لإن المسكن لمرض مزمن مش هيعالجه.
إحنا كمان جزء من المؤامرة، لإننا بنتهاون في حقنا وبنسمح للحق إنه يتسلب طالما مش مسلوب مننا.
أنا مش بلومنا على جهلنا، لإننا مالناش يد فيه.. التجهيل عملية ممنهجة من قِبل الدولة.. أنا بلوم كتير مننا إنه مش عايز يحاول يخرج برة دايرة الاستبداد، مع إنه بيّن.
إحنا لما بنسكت على انتهاك حق غيرنا، بنكون متآمرين على نفسنا.
المؤامرة الحقيقية مرض، ما يتعالجش غير بالإصرار على التعليم والمحاسبة، وإحنا مرضنا مزمن ومستمر، عشان كده المؤامرة مستمرة.
