شفت جرايم كتير ارتكبها النظام بعيني.. شفت ضرب وسحل واختراق صريح للقانون والعدالة.. مشكلتي الأكبر مش إن الجرايم تحصل من قبل النظام أو غيره، لكن في الإفلات المنهجي من المحاسبة.
اكتشفت إن اللي بيضايقني أكتر كمان هو الكذب المستمر في كل حاجة، حتى لو عايشين في قمع وقرف، على الأقل نعيش بصراحة مع نفسنا وغيرنا، ومش لازم نزود الكذب فوق الجرايم المنهجية الأخرى.. هيستفيدوا إيه إنهم يكذبوا في خطف الشباب وتلفيق القضايا؟ ما كده ولا كده، ما حدش هيعملهم حاجة!
وبعد جرايم كتيرة وكذب كتير، اكتشفت استحالة تجنب المجرم للكذب. و ده مش شرط راجع للخوف من العواقب، لكن الكذب هو وقود استمرار أي نظام باطش بما فيه النظام الحالي.. لأنك مش هتقدر تظلم وتاخد حق مش حقك غير لو كذبت، وأول واحد لازم تكذب عليه هو نفسك.. لو أنت في بلد عايز تنهب فيه، لازم تقنع نفسك إنه من حقك، ما إنت ياما اتبهدلت في البلد وده التعويض العادل، أو ممكن توهم نفسك إن الناس اللي إنت بتنهبها تستاهل، أو إنهم أقل منك.. لازم في كذبة تبرر بيها لنفسك إنه من حقك، عشان كده فكرة إن القضاء والشرطة والجيش أسياد البلد، فكرة مهمة وضرورية عشان ياخدوا الإمتيازات.. تأسيس الفكرة دي بيرسخ إن أي امتياز حق، وفي نفس الوقت بيحقر الناس المنهوب حقها، وبالتالي يستاهلوا.
دي أولى مستويات الكذب وبتبرر مش بس السرقة، لكن بتبرر حاجات كتير جدا، زي أي جريمة قتل أو انتقام أو انتهاك للقانون.. أصلهم خونة وإحنا الوطنيين وبنحب البلد.. أصلهم عايزين يهدوا البلد.. أصلهم مجرمين.. أصلهم، وأصلهم…. وطبعا بيصاحب الكذبة دي أكاديب تانية، زي إنك بتحمي البلد، أو إن مفيش طريقة تانية.. مش هتعرف تخلي حد يفتري على اللي قدامه غير لو اقنعته إنه من حقه بشكل او بآخر.. يعني لو عايز تدهس متظاهرين، قول عليهم أعداء الوطن، وأكيد مع كل الأوامر الميري كان في اكاذيب كتيرة.
المستوى التاني من الكذب، هو إنك تقنع غيرك إنك مش مجرم.. دي مهمة لأن في قوانين بتنتهك وفي أخلاق بتتدمر، وطبعا لو استخدمت بعض الأكاذيب الخاصة، زي مثلا إن من حقك تعذب أو الناس تستاهل، في ناس ممكن تزعل ويحاولوا يحاكموك في محاكم دولية.. عشان كده محتاج تضحك على الناس بكلام يرد على المدخلات الخارجية زي القانون والاتفاقيات الدوليه.. إلخ.. فتييجي تقول إنه ما حصلش، حتى وإنت عارف إنه حصل ومبرر لنفسك إنه كان من حقك، ويستمر الكذب لأن الحقيقة كافية ليك، بس مش كافية لغيرك، وعشان كده الكذب مستمر.
طب والحقيقة مش كفاية؟! الحقيقة كافية في حالة واحدة، إن يبقى في نية لإقامة العدل، ساعتها حاجات كتير ممكن تبقى واضحة، وممكن استخدام الحقيقة في إنك تظهر شرعيتك أو غيره.. لكن طول ما العدل غايب ومش هدف أساسا، طول ما الكذب هيكمل معانا.
مشكلة الكذب إنه محتاج أكاذيب تانية عشان تحصنه، وبعد الانتهاكات اللي بتسلب حقوق الناس، بيكتشف المنتهك إنه محتاج يداري أو يكذب عشان ما يتحاسبش، وهنا بيتحول المنتهك لكذاب، وبيكتشف أهمية الكذب.
عشان الحق يرجع، لازم الكذب يتفضح، والحاجة اللي ممكن تفضحه هي الذاكرة والحقيقة، وهي دي أهمية الحقيقة.