هيثم رزق يكتب: اليوم المفتوح (الحلقة الرابعة)

 

وكان الرد على وصول الكازوزة قدوم طار من يد صلاح تفاداه تفاهة بردة فعل من تعود على ذلك، ثم قال صلاح غاضباً:

((لقحها هنا واغرب عن وجهي))

وعاود صلاح القراءة:

\”.. أنا من أرسلتها وأعرف ما بها، وما بها يهمك، كنت أبعثها إليك، وحان الآن موعد فهمك، فأنت الآن على موعد مع إثارة لا تنتهي، أعلم جيداً أنني ناغشت عقلك بتلك الحادثة القديمة، هذا لأضع يدك على نقاط ضعفك، وليقيني من أنك ما زلت مشوش الذهن. لا تصدقني. وتتمنى في كل لحظة أن تفيق من هذا الهراء وتصحو من نومك قائلاً: يا له من كابوس مزعج، أو تكتشف أنني أحد أصدقائك يداعبك، فدعني أخبرك أنك لا تملك أي صديق الآن، فقدتهم جميعاً بعد زواجك من بطة التي كان يعلم الجميع أنها لأعز أصدقائك.. ولكنك تزوجتها في لحظة نزوة عابرة، أنت نادم عليها حتى الآن.. أرجوك لا تقاطعني ولا تسفه من كلماتي التي تدق على جرحك الغير مندمل… هل أخبرتك بحقيقة آلمتك؟.. ما أنا بدجال ولا ساحر، فامتثل لأوامري حتى تنجو مم أنت فيه، سيأتيك الشيخ عمران ويخبرك عما رآه، فاسمع منه، أم إنك تظن أنه متواطأ معي في خداعك؟.. كل المدخلات الجديدة تأخذ وقتها حتى تصبح يقيناً عند البشر فيسببون لها الأسباب ويجدوا لها مبررات، إن فهمت ما أقصده فستدنو خطوة من يومك المفتوح، وإن لم تفهم فأنت من البشر. خطابي القادم سيأتيك بعد لقاء الشيخ عمران. والسلام ختام.\”

نظر صلاح لإبنه سيد وسأله:

– ((هل قرأت الجواب كله؟))

قال سيد مترددا:

– ((نـ نعم.. ولكن لم أفهم منه الكثير فبه كلام لم أستوعبه))

– ((ومن يفهمه!؟))

وبعد جلسة سارحة لم ينبس فيها صلاح بكلمة، وسيد يطيل النظر إليه منتظراً، والكازوزة ما زالت على حالها بجانبه، قام صلاح كالمخدر وترك ابنه والورشة وانصرف متجهاً إلى المسجد باحثاً عن الشيخ عمران. وفي الطريق انتهذ فرصة خلوه بنفسه وخاطبها: مالي أصدق هذا الهراء وألقي له بالاً؟ مهما كان الأمر لن يستطع أحد إجباري على فعل ما لا أريده، لكن يا ترى ماهو الذي لا أريده؟ مجنون حاقد من كتب هذا الكلام، وإن وقع في يدي هذا المدعي سأذَوقه من كأس المرار أقداحًا، وسألقنه درساً على أعين الأشهاد، سأذهب إلى البيت الآن.. ولا الشيخ عمران ولا يحزنون، ولن تشغل هذه التراهات من ذهني مساحة من هذه اللحظة، وسيكون مصير أي خطاب آخر القمامة.

دخل صلاح منزله، فصرخت فيه بطة:

((أين أبنك؟ أين سيد؟))

لطمها على وجهها، فصمتت. وبعد قليل دخل سيد، وبصوت خفيض، وبسبٍ ولعن، وقرص الأذن ولطم الوجه حاولت إخراج الكمات على لسانه، ولعلمه أن عقاب صلاح أشد وأنكى، آثر سيد السكوت على الكلام، وإن كان لا يعي في الأصل ما تم وسيتم، فصمته كان أفضل من حديثه، وليفلت من إلحاحها ولهيب صفعاتها قال:

– ((في شغل متأخر في الورشة وتفاهة يبحث عن أبي فاتركيني الآن، حتى لا يسود أبي نهاري ونهارك))

– ((إذاً كنتم في الورشة!؟))

متجاهلاً سؤالها:

– ((هل أبي هنا؟))

– ((بالداخل.. هل تحدث أبيك مع تفاهة في شيء؟ قل. أم إنك تريد أن تخرب البيت؟ لن أتركك حتى تروي لي ما حدث بالتفصيل))

وبدهاء واستعطاف  أردفت:

(( أعلم إنك قرأت ما في الجواب، فماذا كان به؟.. وهل قرأه أبوك؟))

– ((اتركيني الآن وسأخبرك بما فيه..))

وهنا تيقن أنها أوقعته في فخ، فما أدراها أنه قرأ، شعر بغبائه ولكن خبط الباب المتزامن مع آخر كلماته، كان منقذه، وكان صلاح هو أول من يصل إلى باب المنزل، وكل من سمع الخبط جاءه هاجس مختلف، فبطة ظنت أنه جواب به فعل جديد من أفاعيل الدجالين، وسيد ظن أن تفاهة جاء ليستعجل أبيه، أما صلاح فأجل هواجس فكره حتى يرى من يمتن الباب بهذا الإلحاح، فإذ به يرى خادم المسجد الذي يصلي فيه الشيخ عمران ومعه زوج من العساكر وأمين شرطي، يسألونه إن كانت هذه آلة القياس تخصه، فقلبها صلاح بين يديه، وأجزم أنها له.. ولا داعي أن نروي ما فعلته بطة بعد رؤيتها لأفراد الشرطة فكلنا الآن نعرفها، ويرن في آذاننا صوت صراخها. وفي القسم علم صلاح أن آلته كانت بجانب جثة الشيخ عمران بعد أن قتل..

تتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top