فاجأ الضابط صلاح بسؤاله: \”لماذا قتلت الشيخ عمران؟\”
أُربك صلاح لما يحمله السؤال من وضوح وتأكيد، وأُرهب من تذكر روايات من حكوا عن تجاربهم المهينة في أقسام الشرطة.. تبرجل في وقفته، وتلعثم رده، وقال:
– \”أأأ أنا لم أقتل أحد، ولـ لـ لم أره من الأساس\”
الضابط:
– \”وماذا عن أداتك التي وجدت بجانبه!؟.. أكان يتبارك بها!؟.. ها ها ها\”
صلاح:
– \”أقسم لك بالله لم أره أصلاً.. سأحكي لك ما حدث\”
الضابط بتهكم:
– \”أحكي يا شهرزاد..\”
– \”يا سعادة الباشا غاية ما في الأمر أنه في هذا اليوم جائني خطاب من مجهول ولم أفهم منه شيئًا..\”
ثم صمت قليلاً، عندما تذكر التحذير الذي ورد في الخطابين أن لا يذكر لأحد محتواهما… خبط باب الحجرة معطيًا أياه فرصة للتفكير عما سيصوغه من رواية… دخل عسكري معلناً عن قدوم \”نذار\” باشا، وهو ضابط زميل، دخل الضابط نذار، وبعد التحيات والسلامات بينه وبين زميله الذي فهم صلاح من كلامهما أنهما لم يتثنى لهما اللقاء منذ أن تخرجا، نظر إلى صلاح ثم وجه كلامه لزميله:
\”من الواضح إنك مشغول سأعود إليك لاحقًا..\” قالها وهو يجلس على الكرسي المقابل لصلاح، ثم أردف:
\”لكني لن أذهب إلا بعد شرب كوب من الشاي..\”
ضحِكا..
– \”أجلس، أجلس.. واسمع حكاوي ألف ليلة وليلة\” قالها ضابط التحقيق.
أخرج نذار من جيبه علبة سجائر وسلسلة مفاتيح مصور عليها رأس ذهبي لذئب، خبطها على المنضدة ليلفت انتباه صلاح، وقال:
– \”والبيه.. ما تهمته؟\”
فأخبره الضابط. حتى أن وصل الشاي، فارتشف نذار منه وقام تاركًا سلسة المفاتيح، متعمداً..
قال صلاح:
– \”مفاتيحك يا باشا..\”
ثم بدأ التحقيق من جديد، وتغيرت معه نبرة صلاح في كلامه:
– \”يا باشا.. إني أؤكد أن أداة القياس لي، ولكن هل هذا دليل على أنني الفاعل؟.. وأنتم من قلتم أنها وجدت بجانب جثة الشيخ عمران، ، وما أدراني أنه قد قتل إلا منكم.. هل مات مذبوحًا أو مخنوقًا أم قدره قد حان؟.. فأنا لا أعلم شيئًا.. وإن كنت تريد سماع من حكايات ألف ليلة وليلة، فإن شهرزاد على أتم الاستعداد، حتى تنجو برقبتها من سيف مسرور..\”
ابتسم صلاح عندما تلقى كفاً مباغة من الشاويش الواقف خلفه، ثم نظر إلى الضابط في عينيه بتحدي واضح. أول مرة في حياته يشعر بقوة شيء قوي خفي يحمي ظهره، رغم الكف الذي أصابه، فما المانع من أن يجرب استخدامها إن كانت هذوا فسيتسلم لمصيره:
– \”يا باشا أسمعني.. واجعل بيني وبين هذا الثور الواقف خلفي..\”
الضابط غاضبًا:
\”واضح إنك تحتاج إلى تربية!\”
نظر صلاح إلى الشاويش بعد تلقيه الكف الثاني وبصوت خفيض قال له: \”ستندم..\” ثم وجه كلامه إلى الضابط وبدون أي تبجيل أو مداهنة ولا مقدمات:
– \”فجراً ذهبت إلى المسجد لصلاة الفجر؛ لو أنني لم أركعها منذ صغري لكن الأمر كان هذا الجواب الذي ذكرته، والذي لم أفهم محتواه، ولما كنت أنا وزوجتي على الفراش ولم تنل متعتها، فأرجعتْ بفكرها الأمر إلى محتوى الجواب، وأنه سحر مما يفرق بين الزوج وزوجه.. وألحت عليّ للقاء الشيخ عمران ليفصل في الأمر.. لا تآخذني إن كنت أحكي عن خصوصيات أهل بيتي\”
ثم أردف متهكماً:
\”إن أشد ما تخافه شهرزاد هو سيف مسرور.. كما تعلم \”
الضابط بصرامة:
– \”يعني هذا أنك قابلت الشيخ عمران ليلتها؟\”
فأكمل له صلاح قصة نومه داخل الكنيف، متأثراً بمخدرات تفاهة التي لم تكن على المزاج، وتعبه من محاولاته مع زوجته في هذه الليلة، وبعد أن انتهى. أمر الضابط الشاويش المرافق أن يرمي صلاح في الحجز حتى الصباح لحين عرضه على النيابة.
جاءت بطة إلى القسم، ونصبت سركها اللغوي على مسامع من كان في المكان، حتى نهرها العساكر قائلين أنك إن لم تبارحي المكان سَتُلقين في الحجز مع الرجال، فتقاعست عن إطلاق صوتها رويدًا دون إظهار الخوف، حتى لا يشمت فيها نسوة الحارة قائلات إنها تخلت عن زوجها في محنته، ففي هذه الحالة سيكون ميلهن إلى اغتيابها في هذا أكثر إمتاعًا من الحديث عن قتل صلاح للشيخ عمران.
وبعد انقضاء ساعات النهار. كانت زغرودة بطة ترسل زبزباتها في أنحاء الحارة محمولة بهواء الليل العليل.. أفرجوا عن صلاح بكفالة دفعها له مجهول، وهذا ما قيل حفاظًا على هيبة القانون، تمطى صلاح، وقَبَل أولاده، واستراح على سريره وبطة تدلكه وتدلله، وبعد أن فرد جسمه الذي تخشب متكوراً داخل الحجز المكتظ بالخارجين عن القانون، قام بهدوء شديد ودخل ليغتسل، وفي الحمام أخرج من جيبه ظرف أحمر بختم ذهبي بارز لرأس ذئب…
تتبع