هويدا طه تكتب: زائد 18.. حين تكتب في موقع.. شرس وجميل!

الموقع حيطلع بعد أسبوع اكتبيلي مقال.

قالتها بتحفز.. يا فتاح يا عليم ع الصبح!

وبلا جدية أجبت:

– طيب.

(وفي سريرتي أردد.. أكتب في موقع ترأس تحريره دعاء سلطان؟! دي ست شرسة أساساً! إزاي شرسة تتعامل مع شرسة؟ّ! الطيب أحسن..)

أردت أن اتهرب، فقلت لها عنوانا خطر ببالي في لحظتها.. قصدت أطفشها!

= أوكيه حاكتبلك مقال عن المرأة.

– ماشي.. ابعتيه بكرة.

= استني.. المقال عنوانه (لا تكوني المرأة الفاضلة)!

– إبعتيه النهارده!

تورطت مع هذه الشرسة.. وكسبت هي الجولة!

======

عشق الكتابة لا براء منه.. كنت طفلة في المرحلة الإبتدائية حين كتبت مقالا قصيرا.. على الوجه الداخلي لغلاف كتاب التاريخ.. كان أبيض اللون ناعم الملمس.. فكانت الكلمات التي يصبها القلم الأزرق الجاف تتقطع إربا بسبب نعومة الورق الأملس، كان عنوان المقال \”لا أحب أمي\”!

لسببٍ ما.. أدركت وقتها أنني سوف أهيم بقية العمر في عالمٍ غامض ساحر.

عالم الكتابة.

سحرتني قبل ذلك القراءة.. من قراءة التاريخ إلى قراءة الأدب.. إلى ذلك الشعور بالعجز اللذيذ أمام كتب الفلسفة.. تعجز عن فهمها لكنك – لسببٍ ما – تتشبث بدفتي الكتاب.. \”الوجودية مذهب إنساني\”! تعاود اللهاث بين السطور السابقة.. متحديا نفسك ومتحديا ذلك التجريد الغريب عن عقولنا! تستغيث من غموض الفلسفة – وروعتها- بسباحةٍ على أجنحة خيالية.. في بحور الشعر.

وحين تسحرك القراءة.. فهي دون أن تشعر تخبئ في أعماقك (أعمال سحر) هنا وهناك! فلا يعود الفكاك منها ممكنا إلا بأن تنفث هذا السحر.. كتابةً!

قانون كوني!

كبرت.. ولم تعد تكفي تعاويذي جلدة الكتاب، ولم تعد كتاباتي مجرد غضبٍ من أمي.. وأبي! تراءت السماء لي ورقة كبيرة خلقت لسطوري.. كان لزاما وقتها أن أنشر ليس فقط تعاويذي وأعمالي السحرية.. بل أردت نشر رأيي.. ذاك الفجور!

– وقتها ظننت أنه بما أنني يسارية وثورية وما إلى ذلك، فإذن.. على دوريات اليسار أن تستعد لاستقبال درري المكتوبة!

أرسلت ورقة بالمقال.. فيما أذكر كان عنوانه \”سنكسر كل تلك القضبان\”!

حسناً! كان ذلك منذ ثلاثين عاماً!

لم يكن هناك إيميل أو موبايل أو فاكس أو أيٌ من تلك الناقلات.. كانت الدابة الوحيدة المتاحة لحمل أسفاري هي صندوق بريد أخضر صدئ.. ثابت في مكانه عند ناصية شارع النبي دانيال!

وحين صدر عدد \”الأهالي\” بدون مقالي.. أظنه كان يوما راعداً!

سألت بغضب ارتعش له كل جسدي الشاب وقتها: ليه ليه؟!

قيل لي:

الأستاذ قال بلاش لعب عيال!

=====

ظل ذلك الأستاذ بالمناسبة يقول عن كل الكتاب- جيلاً وراء جيل – دوول شوية عيال! بينما يحكي لكل سكان الكوكب دون كلل وبنفس الحماس كل مرة.. عن قصة اعتقاله -وهو طفل يرتدي الشورت- في عهد الاحتلال الإنجليزي لمصر!

لكنه حين وصف فلذة كبدي \”سنكسر كل تلك القضبان\” بأنه لعب عيال.. جعلني أدرك – دون أن يقصد طبعاً– أن الكتابة هي بالفعل (أعمال سحر)، لكن لا مفعول لها إلا إذا تعثر بها كما تقول الأسطورة: \”فهد له جناحان\”، يسمونه في عالم أعمال السحر: الناشر!

ومن يومها ظللت اتلفت حولي.. بحثاً عن \”فهد ذي جناحين\”.. ينفث (أعمال السحر) من جعبتي إلى أرجاء الكون!

لم أجده لزمن طويل، حتى ظهرت في الأفق دواب جديدة -غير مرئية كأنها الجن الخادم لبلقيس- تنقل الأسفار في برقة عين من صندوق أعمالي السحرية إلى كل فجٍ عميق.

ظهر الإيميل.

فحمل أسفاري وتعاويذي وآرائي – لكسر كل تلك القضبان- وطار بها إلى صحف وجرائد ودوريات في بلاد العرب وفي بلاد الإنجليز.

صرت أبث السحر ويأتيني مريدون يطلبون المزيد.

لكن شيئاً ما في \”تعويذة الكون\” يجعل السحرة -حتى لو طافوا الدنيا- يحنون دوماً إلى قريتهم.. شيء ما هناك يناديهم.

كتبت بشكل متقطع هنا وهناك في صحف ومواقع مصرية.. كتابة للمقال السياسي.. كتبت عن الثورة وعن الغضب وعن التمرد و…

نعم… كانت أيام!

لكن كتابة المقال السياسي تسحبك رويداً رويداً ودون أن تشعر إلى أرضٍ ضحلة.. أرض لا تعرف التعاويذ ولا التراكيب السحرية.. ولا تحب منك إلا أن تكون جافا مثل ما تكتب عنه.

أنتظمت برهة، ثم بدأت أفقد حماسي للكتابة.. هذه كتابة بلا سحر.

ما من شيءٍ مجدٍ في هذا العالم.. حان وقت البيات الشتوي.

نعم.. هناك سحرة موسميون!

========

ربما التقدم في العمر وعبور بوابة الخمسين يغير كيمياء الناس.. لم أعد أكترث لكسر القضبان، ولم أعد اهتم بحمل مشاعل التمرد والركض بها نحو مستقبل.. تسلل في غفلة مني فصار خلفي.. نعم لم  أعد أكترث.

وحين طالبتني هذه الشرسة بكتابة مقال لموقع رأيت اسمه يومها حتى غريباً.. زائد 18.. لم أكن بذاك الحماس حقيقة.

ثم حين تورطت وبدأت أكتب.. كان مقالي الأول لموقع زائد 18 هو بالنسبة لي.. (عودة السحر) .. سحر الكتابة وتعاويذها!

أرسلت التعويذة إلى موقعٍ.. وقعت في غرامه منذ اليوم الأول.

زائد 18.. جديد وجميل وشرس.. ليس فقط يسحب من شراسة مديرته، بل اجتمع فيه كل المتوحشين جمالا وإبداعاً ورقة وتوحشاً.

قرأت فيه لكتابٍ شباب.. وابتسمت دون أن يراني أحد وأنا أقرأ كتاباتهم عن التمرد!

كانت أيام!

الموقع مختلف عن المواقع الأخرى.. يقبل من الجميع أن يقول كلٌ ما يريد.. حتى إنك قد تجد فيه مقالين متجاورين.. كل منهما يأخذ القارئ إلى جهة عكس الأخرى!

بل حتى أنت نفسك يمكنك أن تكتب شيئاً ثم تكتب نقيضه.. ثم يتسع لهذا الجنون ذاك الموقع الشرس!

كتبت فيه دعما للسيسي والجيش.. وبجوار مقالي كان هناك من يهتف يسقط يسقط حكم العسكر! ثم حين ضقت ذرعاً من آهات العندليب في خطاباته.. كتبت في نفس الموقع صباً للعنات على كل ذي سلطة يلحن بيانه مرسلا آهاتٍ للشعب!

أنا في هذا الموقع ودون أن توضع في طريقي أي علامات تحذير.. أكتب الشيء وعكسه!

هذا شيء بديع للغاية.. أن تكون حراً تكتب ما تشاء.. تنفث سحرك كما تريد.. تصنع تركيباتك بأي نسبة ثم لا يقول لك أحد قف هنا!

هذا فهد له ألف جناح!

=====

أحياناً أهرب من الفيسبوك إذا أحسست أن تلك الشرسة \”صاحية\” وسوف (تقفشني) وتطلب مني مقالاً جديداً.. وأنا صرت لا أكتب إلا إذا داهمني السحر.. لكنها غالباً تقفشني ولا أستطيع الفكاك،

أتخيلها اليوم تقفز في وجهي.

– اكتبيلي مقال.

= لأ معنديش حاجة اكتبها

– اكتبيلي مقال.

= حاضر!

حاكتبلك مقال عن \” أبو العلاء المعري\”.. ما انتي عارفة.. بيننا عشق لا يذوب.. ناداني النهارده المعري وأنا لبيت.. لقيته زهقان من (فساد عصره) يا عيني! وقال بيت شعر بديع خالص:

يَسوسونَ الأمورَ بغيرِ عقلٍ،

                               فينفذُ ُ أمرُهمُ، ويقال ساسة

فأفٍ من الحياةِ وأفٍ مني

                              ومن زمنٍ رئاسته خساسة

ابعتي المقال!

= حاضر!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top