هويدا طه تكتب: اختاروا: سيناء أو النهر!

عزيزي القارئ قبل أن تشرع في القراءة:

ملاحظة أولى: كل المعلومات الواردة في هذا المقال هي من وثائق منشورة يمكنك الرجوع إلى الإنترنت والتأكد منها.. نعم.. هذه معلومات منشورة وليست سرية!

ملاحظة ثانية: نشرت مقالاً مشابهاً لهذا وقت أن كان محمد مرسي يحكم مصر!

ملاحظة ثالثة بعد أن تنهي القراءة: نعم.. أوافقك.. لم يتغير شيء.. ياللعجب!

مخاوف ومعلومات

– لأول مرة ينتابنا الخوف على وجود مصر ذاته.. عشنا نظن خلودها من ثوابت الطبيعة.. النيل؟! سيناء؟! قناة السويس؟! ياساتر! لماذا نشعر الآن أننا رهائن بيد شياطين.. لديها أموال طائلة ولعابها يسيل على أرضنا ومياهنا ومناخنا وآثارنا التاريخية؟! لكن.. سأتوقف الآن عن الكتابة العاطفية بانفعالاتها التي تتمدد ولا تنتهي.. فلنفكر في الأمر علمياً وسياسياً وفكرياً و.. وحتى مخابراتياً!

– لأن النيل لمصر هو شرط بقائها.. فإن أي طرف طامع فيما لديك لن يجد أفضل منه لمساومتك.. في لحظة حصار تعيشه مصر من الداخل والخارج، هل تريد إسرائيل الاغتراف من مياه النيل؟! صحيح.. لكنها إن أرادت مياهه (فقط) فقد توجهت إلى منبعه أصلاً في غيابك التام عنه، إنما النيل حتى يذهب إليهم لابد من عبوره في أرض سيناء! إذن يريدون النيل وسيناء معاً! لكن لابد أن ترضخ أنت.. كيف؟! سوف تثبت الأيام القادمة جوهر تلك المساومة.. سيحاولون تركيع مصر أمام المياه عبر منعها من المنبع حتى يحصرون المصريين أمام ذلك الاختيار المرحلي.. سيناء أو النهر.. اختاروا!!

– طبعاً في حالة استسلام المصريين التام لتلك المساومة فالطبيعي أن يختاروا البقاء.. أي النهر، حينها تحدث انفراجة في أزمة النيل.. فيفرح المصريون للنجاة بحياتهم.. أي بحصتهم من النهر.. لكن سيناء ستكون ضاعت! ثم في مرحلة أبعد.. سيعود العدو من جديد إلى دول المنبع وسينقل مياه النيل إلى داره عبر سيناء.. التي ستكون حينها قد صارت لهم!

تلك خطة موجودة ومعلنة منذ سنين طويلة لكن مصر مثل مالطة.. لا تريد أن تسمع لمن يؤذن فيها بقرب الخطر.. التاريخ حقا كائن حي مدهش.. لا يموت!

– في مؤتمر بازل (1898) أعلن تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية أن دولة إسرائيل سترى النور بعد خمسين عاماً(وبالمناسبة.. حصل!)، بعد إعلانه الشهير بخمس سنوات أي عام 1903.. جاء هرتزل إلى مصر لبحث مسألة نقل مياه النيل عبر سيناء إلى الأرض التي ستكون دولة إسرائيل! لكن بريطانيا وكانت حينها تحتل مصر أسقطت مشروع هرتزل.. هذا وقتها!

– فيما بعد فإن عدة دراسات وكتب (وكلها منشورة والله العظيم!) أصدرتها الوكالة الإسرائلية للتخطيط للمياه.. كلها تدور حول نقل مياه النيل إلى سيناء ثم إلى داخل إسرائيل..

من تلك الدراسات دراسة عام 1974 تحدث فيها خبير المياه الإسرائيلي (دكتور عليشا كالي) عن مشروع نقل مياه النيل إلى غزة، ثم تكرر ذكر المشروع مع تطويره في كل مرة.. من كتاب (الكفاح من أجل المياه) عام 1978 إلى خريطة نشرتها الوكالة عام 1986 تبين مسار ترعة عبر قناة السويس (لم تكن ترعة السلام قد حفرت أصلاً وقتها)! ثم نشرت خطة بعنوان (المياه في عهد السلام) عام 1989، في الخريطة كانت تصل الترعة إلى العريش ثم غزة تحت سيطرة جهاز إسرائيل الوطني للمياه، المؤلم حقاً أنه من المفهوم أن تسعى إسرائيل إلى البحث عن مصادر للمياه حتى ولو بالسطو على مياه الآخرين.. فهي أصلا دولة نشأت بالسطو على أراضي الآخرين.. لكن كيف يتقبل العقل أن نظم الحكم المتعاقبة في مصر (هي التي تفرط) في مياهها؟! – في عام 1978 صرح السادات تصريحاً مخزياً بشأن سيناء والنهر واسرائيل.. إذ طمأن \”الشعب الاسرائيلي\” في خطاب علني أنه سينقل مياه النيل إلى النقب! ثم والأدهى والأمّر.. كتب في رسالة إلى مناحيم بيجين رئيس وزراء إسرائيل وقتها أنه \”ملتزم بوعد نقل مياه النيل إلى القدس\”! ونص المكتوب في الرسالة أنقله هنا من بحث كتبه(رونالد بليير) بعنوان \”هل ستصل مياه النيل إلى إسرائيل؟\”، وهو باحث وكاتب يهودي أمريكي في نيويورك سيتي.. ينحدر من عائلة يهودية هربت من حكم النازي إلى نيويورك، حتى هذا الباحث وهو يهودي يستغرب من تصريحات حكام مصر.. المتطوعين من تلقاء أنفسسهم بحرمان شعبهم من مياهه! نصت رسالة السادات على:\” حيث أننا نؤمن بالحل الشامل للقضية الفلسطينية فإننا سوف نجعل من نقل المياه مساهمة من الشعب المصري وبإسم ملايين المسلمين لتكون مياه النيل تلك هي زمزم الجديدة.. ستكون شاهدا على دعمنا للسلام والحياة والازدهار\”! وفي مجلة أكتوبر بتاريخ 16 يناير 1979 نشر تحت عنوان (مشروع زمزم الجديدة) أن مياه النيل سوف تصل إلى القدس! وفي رسالة إلى الملك الحسن الثاني ملك المغرب ذكر السادات ذات المشروع قائلا إنه كتب لرئيس وزراء إسرائيل:\”ستمنح مصر جزءً من حصتها في مياه النيل إلى إسرائيل لزراعة النقب بشرط حل مشكلة القدس والضفة الغربية\”! والأدهى والأمر أن بيجين رد نصا:\”القدس قضية ونقل مياه النيل إلى النقب قضية أخرى\”!

بعض التفسيرات تقول إن السادات أطلق تلك الوعود خوفاً حين وجد إسرائيل تساعد حكومة هيلا سيلاسي وهيلا منجستو مريم في إثيوبيا في حربها على إريتريا.. لكن في كل الأحوال.. أزمة المصريين التاريخية ليست بالدرجة الأولى بسبب الطامعين في بلدهم.. بل هي أساسا أزمة تاريخية ممتدة سببها الأول حكامهم.. حكامنا هم لعنة تاريخية كبرى مستمرة على مصر!

– ثم في عهد مبارك اشتكت مصر من أن إسرائيل منذ السبعينات أرسلت عدداً هائلاً من مهندسي الري والسدود وخبراء المياه إلى إثيوبيا.. لوضع أنظمة جديدة للري تنقص من حصة مصر في المياه، وأنها ساعدت إثيوبيا في بناء أربعين سداً على النيل. مصر إذن (اشتكت)! لكنها بعد أن اشتكت.. سكتت! ثم.. ولسبب غير معلن.. ساعدت أعدائها! ففي لحظة ما.. بدأ حفر ترعة السلام لنقل المياه إلى سيناء!

هل تتساءل ولماذا تعمل إسرائيل على إنقاص حصة مصر من المياه القادمة من الجنوب وهي التي تخطط للاغتراف منها في الشمال؟! حسناً.. كيف يمكن سلخ سيناء من بدنك كمرحلة أولى إلا إذا هددوك بأهم شيء تتعلق به روحك؟! حصة المياه لا تقلقهم فأثيوبيا تحت إبطهم.. وأنت تركتها لهم منذ عقود.. انتهى اهتمام مصر الاستراتيجي بإثيوبيا منذ انتهت الستينات.. الستينات وما أدراك ما الستينات!

– عام 1989 غضب البرلمان المصري من محاولة الخبراء الإسرائليين بناء سد على النيل الأزرق.. أجلت إسرائيل الموضوع.. إسرائيل وليس إثيوبيا!

– عام 1991 توقف مشروع نقل المياه إلى إسرائيل (ترعة السلام) بسبب صعوبات مالية وكذلك بسبب دراسة قالت بصعوبات بيئية سوف تسببها الترعة، لكن عام 92 وبسرعة تم إحياء المشروع من جديد على يد الحكومة المصرية! بالتعاون مع البنك الدولي.. وتم التكتيم على الدراسة البيئية وكأنها لم تكن!

وبالمناسبة.. هل تعرفون من كان أحد ممولي تلك الترعة؟! كانت الكويت! الخليج وما أدراك ما الخليج!

– في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) قال شيمون بيريز إن إسرائيل لا ينبغي أن تنتظر حتى تأتيها خطوط أنابيب بالمياه من تركيا.. بل يجب أن تعمل بسرعة على توفير موارد جديدة و\”قريبة\” للمياه!

– سيناء التي حُرم الشعب المصري من تعميرها.. سكانها أقل من نصف مليون نسمة.. موزعين على مساحة يعيش في مثلها حول الوادي خمسة عشر مليوناً! بتلك المواصفات.. سيناء يسهل اختراقها.. فلا مدن ولا أراضٍ مزروعة ولا مصانع ولا سكان، أما الجيش فهناك اتفاقية تعوقه عن التصدي لأي قوة مسلحة تنوي اغتصاب سيناء إلى الأبد! (بالمناسبة لا تحدثونا عن حماية عسكرية لسيناء طالما بقيت معاهدة الصلح بيننا حيةً تسعى!)، إسرائيل قادرة على احتلال سيناء في ساعات.. لكنها تخطط لأن يكون ذلك أمراً مشروعاً دولياً! لا تريد (احتلال) سيناء بل (اختطاف) سيناء.. بمعاهدات واتفاقيات وتنازلات موقعة! ولن تجبر المصريين على قبول مثل تلك الاتفاقيات الجهنمية إلا بمساومتهم على حياتهم! مساومتهم على المياه.. حتى ولو فيما بعد بلعت وعدها وسلبت منهم تلك المياه!

 تفاؤل وتشاؤم

– هناك حقيقة وجودية تلخصها عبارة (البقاء للأقوى)! فرغم أن مصر دولة ومجتمعاً.. جغرافية وتاريخاً.. صمدت لآلاف السنين أمام الغزاة والخونة.. إلا أن المتشائمين يرونها هذه المرة ضعيفة وأعداءها أقوياء، مسلحين بالمال والعلم والسلاح والوضع الاستراتيجي المحاصر لمصر من كل اتجاه.. ويتساءلون: هل ستضيع سيناء ليس بثرواتها فقط ولكن بدورها الأمني وقناتها ومكانتها؟ ونحن الآن ليس بيدنا سلطات ولا أموال ولا وسائل إعلام تصل بها إلى عقول ووعي الجماهير ولا دعم خارجي ولا قدرة على مقاومة مثل تلك القوى العالمية؟! نحن من؟! نحن المصريون! نحن الشعب! الشعب المنهك الذي يحاولون تركيعه الآن تارة بتهديده في شريان بقاءه وتارة بأعمال إرهابية متواصلة، الشعب المبتلى بحكومة تسجن أطفاله! ولا تحترم دستوراً حصل على موافقة شعبية بنسبة 98%! الشعب الذي تُرتكب جريمة إفقاره عمداً حتى يركع.. فيقبل المساومة فيتخلى عن جزء من أرضه مقابل البقاء حياً، إلى أي مدى هذه المرة ستصمد مصر أمام الأقوى؟

– أما المتفائلون (قد أكون بينهم) فيتساءلون: هل هو قدر حتمي؟! لا.. تفاءلوا (لكن بحذر!) التاريخ شاهد مدهش في جعبته الكثير.. هذه ليست المرة الأولى، عبر بضع آلاف من السنين كانت سيناء مطمعاً وكانت نظم الحكم لدينا عوناً للطامعين ومع ذلك فشلوا.. فشلوا جميعاً! أنا خائفة! لكنني رغم ذلك متفاءلة (إنما بحذر.. مثل كثيرين منكم) فوجود مصر هو من ثوابت الطبيعة.. لا.. دع عنك تلك العبارة فهي عاطفية! فلنعد للأمر سياسيا ومخابراتيا!

طوق نجاة؟!

– لازال المصريون قادرين رغم ذلك على إفشال محاولات الأعداء الأقوياء لتفريغ الخريطة من مصر التي نعرفها ونحياها وتحيانا..

لدينا الكتلة ذات الوزن الحاسم، هرتزل مؤسس الصهيونية حين زار فلسطين لمعاينة أرض يخطط لاغتصابها.. كتب في برقية (العروس جميلة ولكن لها زوج)! أي أن الأرض جميلة ولكن للأسف.. عليها شعب! وهذا الشعب عقبة! نحن في مصر نقترب في عددنا من مئة مليوناً من البشر.. حتى لو لا حول لنا ولا قوة فإننا بالتأكيد لنا وزن.. ووزن مخيف!

الكتلة لها وزن.. وعلمياً تنتج القوة من حاصل ضرب الكتلة بجاذبية الأرض! ياله من قانون! (F=m*g)! هذا بالمناسبة قانون فيزيائي علمي وحقيقي! كتلتنا وجاذبية الأرض.. أرضنا!

لكن في نفس الوقت لن تؤثر تلك الكتلة إلا إذا اكتملت المعادلة.. لابد من (عامل الضرب) الذي يوفق بين الكتلة وجاذبية الأرض.. لابد من تنظيم!

المخرج من فخ الفناء هو: الغضب المنظم! وليس هذه الهرجلة في الشوارع! تنظيم قوي يوجه طاقة الشباب ويضع آلية واضحة لحل نهضوي بديل عادل وشامل لكل المصريين.. مع العلم بأنه طريق شاق سنتصدى فيه لقوى شر خارجية تدعم قوى الاستغلال الداخلية.. الشعوب لا تنتصر بالبكاء إنما بالغضب والتنظيم.. ليس لدينا رفاهية الاختيار.. قالها جمال حمدان منذ ربع قرن في كتابه الموسوعي عن شخصية مصر: \” أمام مصر طريقان لا ثالث لهما: ثورة تاريخية أو.. انحدار تاريخي\”

سيناء لنا ونصيبنا في النهر لنا في ذات الوقت.. أعداؤنا خارج مصر لكن عملاءهم في الداخل يمهدون لهم الطريق.. فلننظم غضبنا أولاً..الأمر لا يحتاج إلى دليل.. قديماً قال الشاعر:

ليس يصحُ في الأفهامِ شيءٌ.. إذا احتاجَ النهارُ إلى دليل!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top