كلُّ ما يضع المرأة على حِدَه يهينها، حتى الاحتفال بها\”.
كتبها مريد البرغوثي، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة. وفي المناسبة نفسها، تذكرت ثلاث حكايات.
(1)
لم يكن عم عطية يحب أن يضرب زوجته أبدًا إلا بالخرطوم.
كانت الخراطيم، في حيّنا الشعبيّ، متوفرة داخل كل شقق البيت بأطوال مختلفة.
في تلك الأيام، كنا نخرج على صرخات الاستغاثة والألم، لنرى جارتنا الأربعينية، بجسدها السمين، مستلقية على درجات السلم تلوح بيديها يمينًا ويسارًا، يهيأ لها أنها ستصدّ لسعات الخرطوم عن جسدها. كانت كلما صرخت، تزداد قوة ضرباته، وهو يطلب منها:
ـ \”قولتلك ماتصرخيش يا بنت الوسخة\”.
يتدخل الرجال والنساء لإنقاذها، بينما يرفع هو ذراعه إلى آخرها لينزل عليها بالخرطوم دون تنشين. الآن، أعي أنه لم يكن ضربًا. كان جلدًا يشبه ما نراه في أفلام الكفار ومسلمين، أو التي صورت تعذيب المعتقلين السياسيين.
كنت أحكي الحكاية لصديقة أكاديمية ناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة، ولاحظت أن اندهاشها الأكبر سببه وصول الأمر لتدخل الجيران:
– معقول.. لدرجة تدخل الجيران؟
– حضرتك الجيران عندنا بيتدخلوا في حالات أقل من دي بكتير.
صمتت صديقتي قليلًا، قبل أن تشرح ما وصلت إليه بعد تأمل:
\”إنت لفتت نظري لحاجة مهمة. الستات في مصر كلها بتنضرب عادي، لكن اللي زي جارتك كانت تنضرب بالخرطوم فاترقع بالصوت وتلم الناس، لكن جارتي أنا، ابنة الحيّ الأرستقراطي، بتنضرب بالقلم فاتترمي على السرير وتعيط، ويخلص الموضوع، ولو مالهاش جارة تحكيلها، ما حدش ممكن يتخيل انها بتنضرب عادي\”!
(2)
في الطريق إلى الحي الشعبي نفسه، لحضور زفاف إحدى القريبات، طلبت زوجتي أن آخذ بالي من جرس الموبايل، حتى إذا احتاجت أن تكلمني. سألتها:
– هو إحنا مش هانقعد مع بعض؟
– لا أنا هاقعد فوق مع الستات وأنت هاتكون تحت مع الرجالة.
ـ- ليه؟
ذكّرتني أن العروس ارتدت النقاب من كام شهر. وأنه سيكون هناك، بالتأكيد، \”قعدة ستات\” بعيدًا عن أعين الرجال، كي تكون العروس وصديقاتها على راحتهن في اللبس والرقص.
هززت رأسي، وقلت في نفسي إن شكلها ليلة سوداء.
في الشارع وجدت الصوان مزدحمًا بالرجال الجالسين إلى طاولات، تراصت عليها زجاجات البيرة وأطباق الفاكهة، وأطباق أخرى لخلط التبغ بالحشيش و\”فركه\” قبل لفّه سجائر. وبين الطاولات شباب اندمج في الرقص مع أغنية شعبية مشهورة.
لم نكن أنا وزوجتي قد خضنا الزحام بعد، لنكتشف أن السيدات يحتفلن في جانب من الشارع على مقربة من الرجال، عادي جدًا.
بسهولة، تبينت العروس، مرتدية فستانًا ذهبيًا يغطي جسدها بالكامل، بينما غطت رأسها ووجها بنقاب من اللون نفسه، وانهمكت في الرقص بالقرب من \”الدي جي\”، وسط دائرة من الصديقات والقريبات. وبين لحظة وأخرى، تترك إحداهن الدائرة لتشارك العروس رقصتها المستمرة.
نظرت تجاه زوجتي التي ذهبت لتندمج معهن، أتأمل اكتفائها بالتصفيق والتمايل الخفيف، وأفكر كيف أن شكلها ملفتًا للغاية، ليس لأنها الوحيدة التي لم تنطلق في رقص هستيري، لكن لأنها الوحيدة التي لم يكن على شعرها غطاء!
(3)
على ذكر النقاب وغطاء الشعر.
يخشى صديقي كلام الناس، فيرفض الاستسلام لإلحاح زوجته حول رغبتها الشديدة في خلع الحجاب.
حسابه لكلام الناس، ليس سبب دهشتي. السبب، الذي لم أخبئه عنه، أن حجاب زوجته ربما يعرضها لكلام الناس أكثر مما لو خلعته. طرحة صغيرة تترك الحرية لمساحة معقولة من الشعر، بينما باقي ما ترتديه لا علاقة له بالحجاب من قريب أو من بعيد. حاولت إقناعه، دون فائدة، بأن أفضل ما يزيل قلقه من كلام الناس، هو استسلامه لرغبة زوجته.
أتذكر الأمر كلما سمعت نقد أحدهم لأولئك المحجبات اللواتي يكشف زيهن أكثر مما يداري، والتعليق المشهور الذي يتمحّك في الإفيه: \”من فوق عمرو خالد ومن تحت عمرو دياب\”، مع كلام عن إسائتهن للزي الإسلامي. تأتيني رغبة دائمة في أن أحكي حكاية صديقي وزوجته، لهؤلاء المنتقدين، وأنهنّ لا يسئن ولا حاجة، هنّ فقط مجبورات عليه، غير أنني أفضل الصمت من باب أن كلها أصبحت محصلة بعضها!